عاد طلبتنا لمدارسهم وكلّنا فرحٌ وأملٌ وجدٌّ؛ فرح بعودتهم لمكانهم الطبيعيّ تعلما ونموا تربويّا واجتماعيّا بعد انقطاع طويل، وأملٌ بغدٍ خالٍ من الوباء وآثاره، وجدٌّ بتعويضٍ وافٍ يناظر ما فقدناه جميعا كمجتمع مدرسة.
نعم عدنا لمرحلة بعد انقطاع وغياب مختلف نسبيّا، مرحلة ربما تكشف لاحقا عن واقع يمكن عدّه أو نعته بالأسوأ، وبالتالي الأخطر تربويّا وتعلّما على جيل بأغلبه، واقع جاء نتاج جائحة ربما انعكست أزمة عليه.
بالمحصلة تعاملت أجهزة الدولة مع الجائحة ولاحقا مع آثارها بما يتناسب ومخرجاتها، فنجحت هنا وأخفقت هناك، لكنّ منظور حسن النيّة يجعلنا جميعا معنيين بالنجاح وتخفيف وطأة الجائحة على قطاعاتنا الحيوية، وأخصّ التربويّة.
وهنا تلوح حاجتنا لجرأة وشجاعة؛ جرأة في دراسة وتشخيص الواقع وكشفه، وشجاعة في اتخاذ القرار؛ للتخفيف من آثار إغلاق مدارسنا عام ونصف على عقول ومدارك ونمو طلبتنا.
اليوم وبعد مضي خمسة أسابيع على بدء دوام الطلبة وتعلّمهم الوجاهي، تخللها عمليات رصد ومتابعة وتشخيص وتقييم للمستوى المعرفيّ والمهاريّ، قام بها مجموعة من الزملاء والزميلات في ميداننا التربويّ؛ في محاولة منهم للوقوف على حقيقة مستوى الفاقد التعليميّ كمّا ونوعا، مطبّقين ذلك على مادة اللغة العربيّة لطلبة الصف الأوّل الثانويّ بفروعه المختلفة؛ العلمي والأدبي والصناعي. آملين أن يتبعها دراسات للصفوف والمواد الدراسيّة الأخرى؛ للوقوف على حقيقية واقعنا التربويّ.
وتشير نتائج تلك العمليات إلى وجود ضعف لدى الطلبة في المهارات الأساسيّة، بلغ حدّا يمكن معه دقّ جرس الخطر ولو أوليّا؛ ليعلن عن حالة ضعف استثنائيّة نتيجة وضع استثنائيّ.
جرس نداء أو رجاء أو صرخة لأصحاب القرار، وتخصيصا لوزير التربية والتعليم بضرورة البحث عن وسيلة ناجعة لتعويض فاقدٍ تقول المؤشرات إنّه كبيرٌ، بل وتكشف ضعفا قد يصل حدّا خطيرا يلامس الأميّة بالأساسيّات لدى نسبة ليست قليلة، حدّا قد يهدد البنية المعرفيّة والعقليّة، حدّا يحتاج لمعالجة فوريّة نعتقد أننا ما زلنا نملك إلى الآن عقارب وقتها.
والفاقد المقصود هنا لا تعوّضه أربعة أسابيع وإنما قد يحتاج لإسقاط مادة الفصل الدراسيّ الأوّل أو جلّها؛ لتعويض فاقدٍ في المهارات الأساسيّة لكلّ مادة دراسيّة.
وربما يتطلب ذلك تشكيل لجان فورية في التخصصات كافة، لاجئين إلى البحث عن الكفاءات الميدانيّة لا المحسوبيات (أقلّها في هذه المرّة)، لجان تكون مهمتها البحث في الاحتياجات والمفاهيم والمهارات الأساسيّة الضرورية وتعميمها لكلّ مادة تعليميّة على ميدان المعلمين؛ لنقلها داخل الصفوف الدراسيّة. وكي تكون ناجزة من المفيد جعلها إجبارية لجميع الطلبة، وداخلة في امتحاناتهم وتقييماتهم الفصليّة؛ تأكيدا على جديتها.
معالي وزير التربية والتعليم ونحن ننتظر منكم القرار العلاج، نضع أمامكم بعضا من نتائج تلك الدراسة والتي أجريت على عيّنة عشوائيّة شملت (153) طالبا وطالبة في عدد من مدارسنا الحكومية بالعاصمة:
- 56% لا يميزون جمع المذكر السالم من جمع التكسير ومن الفعل المضارع (الأفعال الخمسة).
- 59% لا يستطيعون معرفة وتحديد أداة التشبيه في جملة: زيد كالأسد في قوته.
- 62% لا يعرفون أنّ علم العروض يختصّ بالشعر، ويعتقدون بعلاقته بفنون القصة القصيرة أو الرواية أو المقالة أو الخطبة.
- 76% لا يميزون حرف الجر (مِنْ) من الاسم الموصول أو الاستفهام (مَنْ).
- 79% لا يميزون بين الاسم والفعل، فيعتقدون أنّ كلمة (تحقيق) مثلا، فعل وليست اسما.