حقيقة هذا المشروع وغيره من المشاريع الجادة ومنذ عقود ، حتى وإن لم تقدم الحلول لمأزق سياسي وعسكري يتفاقم في إسرائيل ، إلا أنه المهرب الوحيد من كل تراكمات الفشل الكامل في إدارة الدولة العبرية ، التي غدا تفككها وفسادها حديثا عالميا خاصة بعد هروب الأسرى الذي أظهر استفحال وتفاقم الوضع الإسرائيلي وإن تمت إعادتهم ، سيما و أن كل تبريرات الفشل تفتقد لعوامل الإقناع ، لدرجة تبدو إسرائيل عاجزة عن تفسير الكثير من الظواهر والأحداث التي تتعدى تقدراتها ، وضمن هذا السياق تأتي العودة للحديث عن مشروع الوطن البديل ، كقاعدة استراتيجية من قواعد المشروع الصهيوني القائم على امتلاك "أرض بلا شعب ، لشعب بلا أرض"، ، أو إفراغ الأرض من شعبها، باتباع سياسات الترحيل والترانسفير الجماعي عبر القتل والمجازر والإرهاب الذي مارسته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل منذ بدايات الاحتلال إلى يومنا هذا ...!!
وللأسف مشروع الوطن البديل يحقق إنجازا تاريخيا واستراتيجيا للمشروع الصهيوني في تصفية القضية الفلسطينية ، وعلى حساب الأردن ، والشعب الفلسطيني معاً، لتبقى فلسطين التاريخية تحت هيمنة إسرائيل، وليصبح الأردن وطناً بديلا للشعب الفلسطيني بعد ترحيله من أرضه ، ويساعد في مل ذلك مناخات مصطنعة لمجموعة من استسلامات بالجملة و مجانية تقدم للعدو ويقال عنها سلام ...!!
في الوقت الذي تمتلك فيه إسرائيل اكثر من سيناريو ، ومنها ما يقوم على إقامة دولة فلسطينية مقيدة، في حدود جغرافية ضيقة في الضفة الغربية مع ترحيل عرب 1948 إليها وإقامة كونفدرالية بينها وبين الأردن، ومقابل هذا السيناريو هناك سيناريو أخر مبني على إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/يونيو عام 1967، مع قبول الأردن لوحدة معها على أساس كونفدرالي أو فيدرالي أيضا .. وهذا ما يستدعي التحذير فيه من خطورة المادة (8) من معاهدة وادي عربة لعام 1994 بخصوص موضوع اللاجئين ، فضلا عن ضرورة التذكير بما أكد الملك الراحل الحسين بن طلال في مؤتمر قمة الرباط لعام 1974 من "أن الجنسية المكتسبة للفلسطيني لا تفقده حقه في المطالبة بحقوقه في فلسطين"...!!
نقول ذلك وفي تقديرنا ان جميع المراقبين للمؤشرات الإسرائيلية ، يدركون جيدا أنه ما من موضوع راهن في سياق الإستراتيجيا الإسرائيلية يحتشد حوله "إجماع سياسي إسرائيلي" أكثر من موضوع "الأرض" و"الديموغرافيا"، و"الدولة اليهودية الخالصة لليهود فقط "، وكذلك "الترانسفير" نحو الأردن .. "الوطن البديل"...!!
وكما هو معروف أن إسرائيل الكاملة" دولة غير محدودة المعالم وتتغير حدودها وفقًا لموازين القوة والظروف القائمة ومجريات الأحداث المختلفة، فالأردن جزء من "أرض إسرائيل" في خرائط ومواثيق وبرامج عدد من الحركات الصهيونية والأحزاب الإسرائيلية، وكذلك جنوب لبنان وبقاع أخرى في العالم العربي ، سيما وان "أرض إسرائيل المعلنة" هي تلك الممتدة من مصادر الليطاني وحتى سيناء، ومن الجولان حتى البحر، وقد خططوا لاستيعاب الملايين من يهود أوروبا الشرقية متقدمين في ذلك بمقولات ونظريات تمثل جوهر الفكر الصهيوني ، لا بل ويتبين لنا في ضوء كل هذه التصريحات التوراتية الموثقة أننا أمام أدبيات يهودية توراتية وسياسية صهيونية تتحدث عن أن "أرض إسرائيل الكاملة" من النيل إلى الفرات، لتتحول هذه الأحلام التوراتية في زمن الصهيونية السياسية إلى أهداف وخطط ومخططات ومؤامرات صهيونية صريحة ، نشاهدها عبر إتفاقيات تارة وعبر اعتداءات سافرة لا إنسانية تارة أخرى ...!!
نتحدث عن حقائق برنامج سياسي معزز بالأيديولوجيا الصهيونية السياسية والتوراتية ، والذي يفسر لنا بوضوح عملية "اقتحام الحدود الأردنية في الثاني والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول 2011 على يد مجموعة من المستوطنين المتطرفين" المشبعة بأيديولوجية وسياسية قديمة حديثة لا تفهم إلا لغة الاحتلال والقتل والتهجير ، وفي الخلفية كمّ هائل من الأدبيات السياسية والتوراتية التي تزعم أن "الأردن جزء من أرض إسرائيل"، و"أن الدولة اليهودية كان يجب أن تقام على ضفتي الأردن"، و"أن الوقت لم يفت على مثل هذه الدولة ...!!
وعلى رغم من كل ذلك تجد بعضنا يتمسك استثناءً بالقرار 194الصادرفي11/12/1948، بعد احتلال فلسطين بأشهر، لاعتقادهم أنه قرارٌ يضمن "حق العودة" للاجئين الفلسطينيين، وبالتالي لا بأس من التمسك به دون غيره من قرارات "الشرعية الدولية" ما دام يمنحنا هذا الحق ويؤكد عليه ، وبالطبع الحديث هنا موجهٌ فقط للمتمسكين بالقرار 194 دون غيره، من بين الملتزمين ب( مشروع التحرير والعمل الاستشهادي والمسلح ) ، وليس لمن سبق أن قبلوا بقرارات مثل قرار التقسيم 181 الصادر في 29/11/1947 الذي أعطى المشروعية للكيان الصهيوني على 55% من فلسطين، أو قرارات مثل 242 و338 التي تعترف بحق الكيان الصهيوني بالوجود بأمان ضمن "حدود ال67" أو 78% من فلسطين، وليس موجهاً بالتأكيد لمن تعاملوا بأي قدر من الإيجابية أو التساهل مع اتفاقيات مثل كامب ديفيد ، أو أوسلو ، ووادي عربة ، والتي تجعل حتى الانسحاب الصهيوني إلى تلك "الحدود" مسألة خاضعة للتفاوض ولشروط "السلام" الإسرائيلي " الصهيوني " ...!!
وما زال الرهان الإسرائيلي على تبدلات المشهد الدولي تقوم على أساس توظيف حالة الاستلاب الممنهج للعرب بغض النظر عن جنسياتهم أو الدين ، وفي ظل استغلال التماهي الأميركي ، سواء في تنفيذ الترانسفير والتوطين ، أو مشروع الوطن البديل ، وتزداد كثافة ذلك الرهان، تبعا لمقتضيات المشهد الدولي ، ويبقى مع ذلك السؤال في الاتجاه الآخر عن رهان البعض على السلام مع إسرائيل والدفع به إلى أقصى الحدود ؟!! مع انه السراب الجديد الذي لن يكتف بتبخره، بل سيجر معه آخر الأوهام في المنطقة ...!! خادم الإنسانية