مهدي مبارك عبد الله - في خبر منفرد نقلته وكالة رويترز للأنباء يوم الخميس الماضي 22/ 9 / 2021 ضمن نشراتها الاخبارية مفاده أن السلطات السودانية ومن خلال توصيات ما يسمى بـ ( لجنة إزالة التمكين ) التابعة للحكومة والتي تشكلت بعد الانقلاب العسكري للأشراف على تفكيك نظام الرئيس السابق عمر البشير المتهم بـ ( دعم حركة حماس علانية وانه كان مظلة داخلية وخارجية لها كما انه كان ودودا مع قادتها حيث حصلوا على معاملة تفضيلية في مجالات العطاءات والمناقصات والإعفاءات الضريبية كما سمح لهم بحمل جوازات سفر سودانية والانتقال من السودان إلى أي مكان اخر في العالم بدون شروط او قيود ) وقد احتج عليه في تلك الفترة بعض نواب البرلمان السوداني لدعمه للحركة معتبرين أن الشعب السوداني أولى بذلك وانه سيجلب الضرر على البلاد
تحت حجة استرداد الأموال العامة كعنوان عريض وضمن مساعي اللجنة لتفكيك بقايا نظام الرئيس السابق عمر البشير الذي قاد البلاد لمدة 30 سنة تقرر مؤخرا مصادرة جميع أصول حركة حماس على الأراضي السودانية والتي حازت عليها في عهد الرئيس السابق عمر البشير كما أوقف السودان كل عمليات تحويل الأموال لحماس ولحسابات الشركات والأفراد الذين يعملون لصالحها
ممتلكات حماس وأصولها في السودان تتضمن عدد من الفنادق والعقارات والشركات التجارية متعددة الأغراض ومحطة تلفزيونية ومجموعة من الأراضي وصرافات مالية حيث أسست العديد من الشبكات الداعمة لها في داخل السودان بالتعاون والتنسيق مع نظام البشير والتي شكلت لعقود طويلة موردا هاما لتمويل ودعم كافة نشاطات الحركة العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والاعلامية
وبهذا القرار خسرت حماس قاعدة خارجية رئيسية ومهمة كانت توفر لأعضائها وأنصارها ملاذا امنا للعيش الكريم وجمع الأموال ونقل وتهريب الأسلحة عالية الجودة وخصوصاً الصواريخ الطويلة المدى عبر ممرات تهريب ممتدة بمحاذاة البحر الأحمر إلى قطاع غزة قادمة من ليبيا وإيران وقد عمدت الحركة تحوطا إلى تسجيل كافة ممتلكاتها في السودان بأسماء قياديين مرتبطين بها لتلافي الدخول في مشكلات متعلقة بقوانين ملكية الأصول العقارية والمالية في السودان وقد كان من أبرز هذه القيادات ماهر سالم رباح رمضان وبسام حسن محمد أحمد اللذان عملا في أنشطة حماس التجارية تحت مظلة نظام البشير قبل أن ينتقلا للإقامة في تركيا خلال السنوات الأخيرة
بعد تولي ( مجلس السيادة الانتقالي ) أعلنت حكومتا السودان وإسرائيل في 23 تشرين الأول عام 2020 برعاية أميركية التوصل لاتفاق بشأن تطبيع العلاقات الدبلوماسية ينص على بدء علاقات وتعاون مباشر بينهما وبعد نحو ( أسبوع واحد فقط ) أعلنت الأولى تجميد أنشطة حركة حماس الفلسطينية على أرضيها وهو ما مثل ضربة قوية للحركة الفلسطينية التي اتخذت السودان كما اسلفنا قاعدة دعم عسكري ولوجيستي على مدار السنوات الماضية فضلا عن ان القرار حيد بلدًا عربيا طالما وصف بأنه معادٍ للمشروع الصهيوني وداعم لمشروع المقاومة الذي تمثله حركة حماس
قبل ذلك صادرت لجنة إزالة التمكين السودانية العديد من الممتلكات التابعة للحركة والمملوكة صوريًّا للمدعو رمضان أحمد وشملت الأملاك المصادرة عدة عقارات و17 شركة منها اربعة مرتبطة بما يسمى ( الجامعة الإفريقية المفتوحة ) التي أسسها القيادي الإخواني عبد الحي يوسف المقيم في تركيا حاليّا
كما عيّنت الحكومة السودانية مفوضا إداريا لإدارة ( شركة الأندلس ) المالكة لقناة طيبة وغيرها من القنوات الإعلامية المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين وذراعها التنفيذي حركة حماس والتي كانت تدار عبر منظمتي ( المشكاة وذي النورين ) اللتين نشطتا في إفريقيا انطلاقًا من السودان كما قامت الحكومة الجديدة بإلغاء تسجيل وحجز ومصادرة ممتلكات وتجميد حسابات وأرصدة لعدد من المنظمات التي كانت تعمل تحت غطاء العمل الخيري والتي كانت بعضها واجهات لجماعة الإخوان المسلمين وذلك من اجل خطب ود امريكا وتسريع إعادة تحالف السودان مع الغرب منذ الإطاحة بالبشير في نيسان من عام 2019
وهنالك قائمة بالأملاك المصادرة شملت 34 عقارًا وأرضًا سكنية بها مزرعتان في القطينة ( ولاية النيل الأبيض ) ومروي ( الولاية الشمالية ) وقطعة أرض بسوبا الصناعية وأخرى بكافوري ( ولاية الخرطوم ) وتُقدر قيمتها بنحو نصف مليون دولار إضافة إلى 24 عقارًا في الخرطوم وكانت جميعها مملوكة لماهر سالم المحسوب على حماس كما صادرت اللجنة 12 عقارًا وقطعة أرض متفاوتة المساحة في ولايتي الخرطوم والنيل الأبيض كانت مملوكة جميعها للقيادي بسام حسن أحمد اضافة الى الاستيلاء على اثنتي عشرة شركة اخرى خلال العام الماضي يقول المسؤولون السودانيون إنها كانت مرتبطة بحماس
الإجراءات الجديدة ضد حماس لن يقف مدى ضررها عند السودان فقط بل أن أنشطة حماس في بعض الدول الإفريقية والعربية المجاورة ستتأثر لأنها كانت تدار عبر قواعد وشبكات حماس في الخرطوم وبعد هذا التغيير الذي شهده السودان والتوجه للتطبيع مع إسرائيل الذي يهدف إلى عزل كل من يشكل دعما وسندًا للقضية الفلسطينية سواء أكان هذا الدعم سياسيًّا أم ماليًّا أم عسكريًا مما افقد حماس إحدى أهم الساحات العربية والإفريقية التي كانت تعتمد عليها لممارسة نشاطات تتجاوز الدعم اللوجيستي ( مستودعات لتخزين الأسلحة ) والاستثماري وتوفير معسكرات للتدريب والتنظيم والتجنيد
السودان طالما شكل قاعدة أساسية ومهمة لدعم المقاومة الفلسطينية المسلحة كما كان خط إمداد مهمًّا لتوصيل السلاح إلى قطاع غزة وان تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل غير المعادلة السابقة وأسس سودانًا مختلفًا تعتبر حكومته نفسها صديقة لإسرائيل بعدما كانت صديقة لفلسطين ومناصرة لقضيته العادلة انطلاقًا من مبدأ اللاءات الثلاثة الذي كان ينص على مؤتمر الخرطوم ( لا صلح ولا تفاوض، ولا اعتراف بإسرائيل )
قرار مصادرة ممتلكات حماس وتجميد أنشطتها جاء بعد تطبيع السودان مع الجانب الإسرائيلي وهو يدلل بما لا يدع مجالا للشك على أن أحد شروط اتفاقية التطبيع غير المعلنة كانت تهدف الى الوقوف في وجه المقاومة الفلسطينية وداعميها وهو تجسيد واضح لسياسة الإدارات الأمريكية المتعاقبة التي قامت على الابتزاز السياسي والسعي لإدخال دول مأزومة داخليا في معسكر إسرائيل مقابل وعدها بتخفيف القيود عليها وتقديم دعم مادي لها واعتبار اسرائيل دولة طبيعية في المنطقة على حساب حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة
رغم الإعلان عن مصادرة ممتلكاتها فإن حركة حماس لم تبدِ حتى الآن ردًّا رسميًّا على القرارات والإجراءات السودانية الأخيرة وقد امتنع عدد من قياداتها في خارج فلسطين عن الإجابة عن تساؤلات بشأن رؤيتهم لمستقبل العلاقات الحمساوية والسودانية وتأثيرات الإجراءات الأخيرة على الحركة عبر تبني تكتيك امتصاص الصدمة وعدم إبداء أي رد فعل غير متوقع أو القيام بأي عمل قد يضر بحالة العلاقات السياسية والدبلوماسية القائمة بين بين حماس والسودان وحتى لا تستغل تلك الردود في ضرب مشروع المقاومة داخل السودان الذي أدى دور الحاضنة الكبيرة لهذا المشروع منذ زمن بعيد
في حين اعتبر بعض المحللين السياسيين ان إجراءات مصادرة الملكية التي اتخذت مؤخرًا لن تؤدي إلى تأثير كبير على الحركة ولن تشكل نهاية المطاف في العلاقات بين الجانبين وأن العلاقات بين السودان وحماس تتخطى النظام السياسي إلى الشعب والفاعلين السياسيين وغيرهم داخل المجتمع المحلي السوداني وهنالك داخل الدولة السودانية جهات مؤثرة لا تزال تحتفظ بعلاقات جيدة مع الحركة كما لن تقف موجة التطبيع الأخيرة حائلاً دون استمرار العلاقات بينهما
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وقّع قرار عام 1997 فرض فيه على السودان عقوبات اقتصادية قاسية ثم ضاعفتها عام 2007 بعد اندلاع القتال في دارفور خلال فترة حكم الرئيس البشير كما وضع السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب في عام 1993بسبب إيوائه لشخصيات إرهابية ( حسب زعمهم ) من بلدان مختلفة على رأسهم زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن اضافة الى منح البشير شخصيات إخوانية جوازات سفر اتضح أن بعضهم استخدمها في أعمال إرهابية وكذلك تمكين التنظيم العالمي للإخوان من موارد وأملاك السوداني وكل هذا الزم السودان لاحقا دفع تعويضات بلغت نحو 335 مليون دولار لضحايا تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا في العام 1998 والبارجة ( يو أس أس كول ) التي استهدفت في شواطئ اليمن قبل أن يتم شطب اسم السودان من القائمة في الربع الأخير من العام الماضي
السودان في عهد النظام السابق اتهم ومنذ عام 1990 بانه كان مركزاً للمنظمات الارهابية ( اكرر حسب تسمياتهم غير الدقيقة ) سواء حماس أو حزب الله أو القاعدة وغيرها من التنظيمات الإيرانية وكان لديها مكاتب معترف بها رسمياً فضلاً عن شركات استثمارية كانت تعمل في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة وتمتلك عقارات وأن بعض المنظمات مثل حماس لم تكن تتردد في إعلان ما تتلقاه من دعم مادي من حكومة السودان على الملأ
من جانب إسرائيل فهي ظلت تتهم حكومة البشير بدعم حركة حماس بالسلاح على الرغم من قرار قطع العلاقات مع طهران وهو ما قاد إسرائيل إلى العمل على محاولة تقويض هذا الطريق عبر الهجمات العسكرية مثل الغارات الجوية والقصف البحري ففي عام 2009 استهدفت المقاتلات الإسرائيلية 17 شاحنةً سودانية تنقل أسلحة بحجة أنها كانت في طريقها إلى غزة وفي عام 2010 وافقت مصر على طلب إسرائيلي بتشديد الإجراءات الأمنية على حدودها لمنع تهريب السلاح من السودان الى غزة
اما في 2011 فقد نجا القائد في كتائب "عز الدين القسام" عبد اللطيف الأشقر من غارة جوية إسرائيلية على سيارته في بور سودان (الميناء الرئيس للسودان) وفي عام 2012 قصفت المقاتلات الإسرائيلية مصنع اليرموك العسكري في الخرطوم لإجهاض تحرك قافلة سلاح إيرانية قيل إنها كانت مرسلة إلى حماس وبعد شهرين اتهمت إسرائيل السودان رسمياً بتهريب السلاح إلى حماس في الوقت الذي كانت سفينتان إيرانيتان في ميناء بور سودان وفي عام 2014 اعترضت البحرية الإسرائيلية سفينة كانت تحمل إمدادات طبية وغذائية إلى غزة في المياه الدولية بين السودان وإريتريا وفي سنة 2015 أسقطت الدفاعات السودانية طائرة إسرائيلية من دون طيار بعد ساعات من ضربة جوية إسرائيلية استهدفت مصنعاً في منطقة أم درمان
في ظل هذه الاوضاع ولغايات غوص اقدام الحكم الانتقالي العسكري في تربة التطبيع الموحلة بدأت في عهد الرئيس ترامب مساع امريكية واسرائيلية جادة لإنهاء عزلة السودان مع المجتمع الدولي وخصوصاً مع الولايات المتحدة حيث زار رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك واشنطن في محاولة لرفع اسم بلاده عن قائمة الدول الراعية للإرهاب وقد كانت أول زيارة لزعيم سوداني إلى الولايات المتحدة منذ عام 1985
وخلال تلك الزيارة التي استمرت خمسة أيام كشف وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو عن عزم الولايات المتحدة والسودان معاودة تبادل السفراء مرة أخرى بعد قطيعة دامت 23 عاما وبذلك المشهد المبرمج سلفا من عيون تل ابيب يمكننا الترحم على نظام الرئيس عمر البشير و ( الدعوة له بان يفك الله اسره ) حيث لم يسقط في براثن التطبيع المخزي من اول جولة ولم يزحف صوب واشنطن بذل ومهانة وكان دائما يقدم الدعم للمقاومة الفلسطينية ويسهل وصول السلاح والمال لرجالها رغم كل المخاطر وقيود الحصار و ( بغض النظر عن الاسبات والتوجهات التي يسوقها البعض لوضع السم في العسل ) الا ان كل ذلك مكن المقاومة الفلسطينية من التحدي والصمود والردع في وجه اعتى الة حرب ارهابية في مختلف المعارك غير المتكافئة
mahdmublat@gmail.com