مهدي مبارك عبد الله - صادف يوم الاثنين الماضي 27 / 9 / 2021 الذكرى الـ 39 لاستشهاد القائد الفلسطيني الراحل اللواء سعد صايل أبو الوليد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح واحد أبرز العسكريين والمناضلين في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة صاحب المقولة الشهيرة حضورا وذكرا وكأنها وصية سطرت بمداد الدم الزكي في الوجدان الفلسطيني حين كان يردد ( نموت ليعيش شعبنا و تحيا فلسطين ) لتحملها من بعده الأجيال المقبلة في دروب التحدي وانطلاق المقاومة على مر التاريخ كـ ( صرخة ثورية خالدة ) تجدد فيهم القوة والعزيمة وتحيي الرجاء والامل وتشق حجب السكون والتراجع وتنفض غبار الذل والهوان وتصنع ارادة المستحيل مهما بلغت التضحيات
الجنرال ابو الوليد ( مارشال بيروت ) المقاتل العنيد محور الثورة وركيزة الصمود والمقاومة بعقليته الاستراتيجية الفذة التي قهرت العدو يعد الرجل الرابع في منظمة التحرير الفلسطينية بعد كل من الشهداء، ياسر عرفات وصلاح خلف وخليل الوزير وهو الذي خلق في رحم الجندية ورضع حليبها وتربى في حضنها على معانقة البندقية وتعلم في ميادينها ركوب الصعاب والعيش في المخاطر والتحلي بالشهامة والمرؤة والاقدام بعدما تخرج من مدرستها العتيدة عسكريا محترفا تعلو وجهه قسمات الحدة والصرامة وتجد في صمته الهيبة والرزانة وفي مشيته الهدوء والوقار وفي اعماقه يقبع قلبا شجاعا هصورا لم يعرف يوما الخوف او الجبن او الضعف او التردد في مواجهة غطرسة الاحتلال واجرامه في كل المراحل والمعارك
نكتب اليوم عن مثل هؤلاء القادة الابطال العظام بضمير حي ومسؤولية كبيرة حتى تبقى سيرتهم العطرة ومسيرتهم المشرفة حاضرة في ذاكرة التاريخ وحية في وعي وعقول الشعوب والاجيال ينهلون من معينها الصافي وتجربتها الثرية مؤنة الاستعداد والكفاح والصمود بكل معاني الفداء والتضحية المكللة بالغار والظفار على طريق العزة والكرامة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة حتى التحرير وحق العودة و إقامة دولته المستقلة فوق ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف
اشتهر ابو الوليد بصلابته المبدئية لدرجة الجمود رغم خفة ظله وعشقه للنظام وكرهه للفوضى حيث جمع بمقدرة انضباطية دقيقة بين القائد العسكري الميداني المحترف والسياسي المتمرس في التفاوض كما عرف عنه احترم التعددية والرأي الآخر ومقت التزلف والتعدي على حقوق الآخرين ولهذا فقد حظي باحترام كافة التيارات الوطنية الفلسطينية واللبنانية والإسلامية وقوى الجبهة العربية المشاركة في الثورة الفلسطينية
بعض المصادر التي تناولت سيرته الذاتية تذكر إنه سجن مرتين في الأردن حيث اتهم في المرة الثانية بمحاولة اغتيال الملك الراحل الحسين بن طلال من خلال زرع الألغام تحت الجسر الرابط بين الضفتين الغربية والشرقية حين كان المشرف على بنائه وقد تمت تبرئته من التهمة عام 1963
اثناء الحصار الاسرائيلي لبيروت عام 1982 ترأس ابو الوليد قيادة عمليات المقاومة ضد الجيش الإسرائيلي حيث وضع الخطط العسكرية الفاعلة لقوات الثورة والحركة الوطنية اللبنانية لمقاومة الهجوم وصد العدوان ولقب بمارشال بيروت رغم أنه يحب مناداته دائما بأبو الوليد
ولد سعد صايل في قرية كفر قليل جنوبي مدينة نابلس عام 1932 وتلقى دراسته في مدارس نابلس وحصل على شهادة الثانوية العامة عام 1950 ثم التحق بالكلية العسكرية الأردنية عام 1950 وقد تخصص في الهندسة العسكرية ثم التحق بالعديد من الدورات العسكرية ذات المستوى الرفيع والمتطور التي عقدت في بريطانيا ومصر والولايات المتحدة والعراق والاتحاد السوفييتي والعديد من الدول الاشتراكية والتي كانت ذات اختصاصات متعددة من بينها الدفاع الجوي وتصميم الجسور وتصنيفها
واصل سعد صايل عمله في الجيش العربي الأردني في أعقاب احتلال الضفة الغربية عام 1967 وكان له دورا في بارز في معركة الكرامة عام 1968 حيث كان ينسق العمل مع قيادة الفدائيين وقد تدرج في رتبه العسكرية حيث أسندت إليه قيادة لواء الحسين بن علي وهو برتبة عقيد ركن وانتقل بعدها إلى لبنان لينضم إلى صفوف الثورة الفلسطينية عام 1970 وكان له دورا بارزا ومهم نظرا لخبرته العسكرية في إعادة بناء وتدريب الأجهزة العسكرية للثورة الفلسطينية
عين مديرا لهيئة العمليات المركزية لقوات الثورة الفلسطينية وعضوا في القيادة العامة لقوات العاصفة وعضوا في قيادة جهاز الأرض المحتلة بعد أن تمت ترقيته إلى عميد كما تم اختياره عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني وانتخابه عضوا في اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح في مؤتمرها الذي عقد في دمشق عام 1980
ترأس الشهيد سعد صايل المفاوضات التي كانت تجري بعد حصار جيش الاحتلال الإسرائيلي لبيروت مع الوفد الأميركي برئاسة الدبلوماسي فيليب حبيب ذو الأصول اللبنانية حيث كانا يلتقيان في بناية سكنية في بيروت وكذلك في بيت رئيس الوزراء اللبناني آنذاك شفيق الوازن
بعد انسحاب مقاتلي منظمة التحرير من بيروت عام 1982 توجه كل من خليل الوزير أبو جهاد وصلاح خلف أبو إياد وهايل عبد الحميد أبو الهول وسعد صايل إلى سورية من أجل التخطيط لتجميع القوات الفلسطينية المنسحبة من بيروت واعادتها إلى منطقة البقاع اللبنانية لكي يعاد تشكيلها وتباشر عملها العسكري ضد الاحتلال الإسرائيلي وقد كان ابو الوليد صاحب فكرة توجيه الهجمات المباغتة ضد قوات الاحتلال المتواجدة في البقاع الغربي وقصفها بالأسلحة الصاروخية ومن أبرز العمليات التي أشرف عليها كانت أسر ثمانية جنود إسرائيليين والتي مكنت الثورة الفلسطينية من تحرير عدد من الأسرى من المعتقلات الاسرائيلية وجميع معتقلي معسكر أنصار
قبل عملية اغتياله بأيام قليله وصلته برقية من اللواء إسماعيل علبة من الشعبة اللبنانية ( الاستخبارات ) مفادها بأن الموساد الاسرائيلي سيقدم على تنفيذ عمليات اغتيال بحق القيادات الفلسطينية الموجود في البقاع اللبناني والتي من المفترض عدم وجودهم بناءً على اتفاقية فيليب حبيب على إثر ذلك نبه أبو الوليد رفاقه من القيادات الفلسطينية بأنهم في دائرة الاستهداف والاغتيال وكان على دراية بأنه في صلب هذه الدائرة
صبيحة يوم 27 أيلول عام 1982 وفي أول أيام عيد الأضحى وفي ظل تواجد قيادات المنظمة في الأراضي المقدسة لأداء مناسك الحج قرر أبو الوليد المعايدة على القوات الفلسطينية المتواجدة في البقاع رغم زيارته لهم قبل يوم واحد من العيد وفي جولته ذهب إلى مقر قوات اليرموك وقوات القسطل التي كان يقودها الحاج إسماعيل ثم توجه إلى معسكر الجبهة الشعبية الذي كان يرأسه ابو أحمد فؤاد وكذلك الى حيث تتواجد القوات اللبنانية المشتركة وقيادة قوات الكرامة ثم اتجه إلى منطقة بعلبك في البقاع اللبناني
وفي الطريق فتح مسلحون كانوا متخفون خلف الاشجار النار على موكبه الذي كان يضم ثلاث مركبات حيث قتل فورا السائق في المركبة الأولى وأصيب أبو الوليد الذي كان في السيارة الثانية بالفخذ الأيمن وتعرض لقطع في الشريان الفخذي ادى الى نزيف شديد
وهنالك روايات متعددة حول الحادثة بعضها يقول إن الشهيد سعد صايل نقل إلى موقع سوري يبعد نحو 400 متر عن موقع الكمين وأخبرهم طبيب سوري برتبة ملازم أنه بحاجة إلى عملية سريعة فتم الاتصال مع قائد اللواء 91 العميد محمد غانم والذي أمر بإرسال طائرة لنقله إلى المستشفى لكنه بعد دقائق اتصل ليعتذر لعدم وجود مروحية
وبحسب شهادات بعض المقربين من القائد سعد صايل انه منذ اللحظة الأولى لدخوله بلدة رياق في بعلبك كانت قوات من حركة أمل تراقب تحركاته وعند وصوله مدخل المدينة كان الوقت بعد العصر كانت هناك سيارة زرقاء تحمل لوحة لبنانية وفيها أربعة أشخاص تراقب مسار موكبه
على اثر ذلك اضطر مرافقوه لنقله إلى مستشفى الراهبات لكنهم رفضوا استقباله كونهم لا يستقبلون حالات تعرضت لإطلاق نار وبعدها تم نقله بواسطة سيارة إسعاف عادية إلى مستشفى المواساة بدمشق لكنه ما لبث ان فارق الحياة بعد أن توقف قلبه إثر النزيف الشديد الذي تعرض له ودفن في مقبرة الشهداء بمخيم اليرموك في دمشق
وتشاء الأقدار أن يكون ضريحه وضريح رفيقه أبو جهاد عرضة للجريمة النكراء التي ارتكبها عناصر تنظيم داعش حين قاموا بجرف مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك
أطلق اسم سعد صايل على العديد من المؤسسات الفلسطينية مثل الأكاديمية الأمنية في أريحا ومواقعَ للقوات الأمنية بغزة ومدرسة في نابلس وعدة أماكن ومؤسسات أخرى كما صدرت عدة كتب تتناول سيرته الذاتية وتفاصيل حياته ودوره العسكري ونضاله
رحل الشهيد اللواء أبو الوليد بعد ان طالته يد الغدر الاثمة وهو يدافع عن فلسطين بكل استطاعته وأكثر حيث كان رجلا صانعا للتاريخ أمضى حياته في الجندية والخنادق ووسط أزيز الرصاص ودوي المدافع رحمه الله وغفر له وادخله فسيح جناته والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار
mahdimubarak@gmail.com