الدكتور: رشيد عبّاس - يمر الأردن كغيره من دول العالم بتحديات عديدة مركّبة ومتشابكة, ولعل الوضع الاقتصادي المتردي قبل وبعد جائحة كورونا كان ولا زال احد الأسباب الرئيسة في هذه التحديات, ولأن الأردن دولة محدودة الموارد فان مثل هذه التحديات بالضرورة أن تكون أكثر تأثيراً على برامج التنمية المُلّحة تلك التي يتم طرحها بين الفينة والاخرى, وهذا الوضع وبالمنطق السليم وللأسف الشديد قد شكّل ثقافة مجتمعية معينة اتسعت دائرتها يوماً بعد يوم موجهة بذلك أصابع الاتهام إلى طريقة وأسلوب إدارة الحكومات المتعاقبة لمؤسسات الدولة, ويمكن طرح التساؤل الاتي: هل لدينا ثقافة انتقاد الأداء أم ثقافة انتقاد الأشخاص, وكيف نؤسس لثقافة انتقاد الأداء؟
ولكي نضع الأمور في نصابها منذُ البداية علينا جميعاً التيقن التام أنه لا توجد ديانة في العالم, ولا توجد شريعة من الشرائع ولا مذهب من المذاهب على هذه البصيرة تحرّم مبدأ الانتقاد أو حتى تمنعه, والمتتبع للكتب السماوية يجد أن كثير من النصوص فيها تحمل في ثناياها عبارات ناقدة لطبيعة العمل أو الفعل أو الأداء وليس للشخص أو ذاته, فمنهج النقد في الكتب السماوية تجلت في عملية النقد عن الابتعاد عن مس الذات الشخصية، وعلينا التوقف مليّاً عند طبيعة ثقافة الانتقاد عند البشر, فطبيعة الانتقاد عند البشر إما أن يكون الانتقاد متعلق بأداء الأشخاص, أو أن يكون الانتقاد متعلق بالأشخاص انفسهم, والفصل بين الانتقاد الاول والانتقاد الثاني من الامور الضرورية في حياتنا اليومية.
المجتمع الأردني اليوم هو مجتمع شباب ومجتمع متعلم, وأكثر من ذلك هو مجتمع فاعل ومتفاعل مع جميع أشكال مواقع التواصل الاجتماعي, وهذا الامر من شأنه أن يدعو الدولة إلى تعزيز ثقافة انتقاد أداء الأشخاص وليس انتقاد الأشخاص انفسهم, عند جميع فئات الشباب, وتشير هنا كثير من الدراسات الاجتماعية الحديثة أن ثقافة انتقاد أداء الأشخاص وليس انتقاد الأشخاص انفسهم هي ثقافة راقية وتنم على اكتمال بناء شخصية الفرد وسلامة مدركاته الحسية, ومرد ذلك يعود إلى التنشئة الاسرية ومراحل التعليم المدرسي.
لا يحق لي باي شكل من الاشكال أن أقول أو أن اكتب أنا أو غيري أن رئيس الوزراء الفلاني فاشل في تخفيض أسعار السلع, لكن يحق لي أن اقول أنا أو غيري أن برامج وخطط رئيس الوزراء الفلاني في تخفيض أسعار السلع كانت فاشلة وغير ناجحة مثلاً, ثم لا يحق لي أن أقول أو أن اكتب أنا أو غيري أن مدير السير الفلاني فاشل في تخفيض نسب الحوادث على الطرق الخارجية, لكن يحق لي أن اقول أنا أو غيري أن اجراءات مدير السير الفلاني في تخفيض نسب الحوادث على الطرق الخارجية كانت فاشلة وغير ناجحة مثلاً, إلى غير ذلك من امثلة ونماذج حياتية.
للأسف الشديد, ما زال لدينا ثقافة خلط ما بين انتقاد أداء الأشخاص وما بين انتقاد الأشخاص انفسهم, وربما تقع المسؤولية هنا على دور كل من الأسرة الاردنية, ووسائل إعلامنا المسموعة والمرئية, ومؤسساتنا التعليمية في تصحيح هذه الثقافة عند المواطنين وعند الاجيال القادمة, فالإنسان مهما كان موقعه, إما ان يكون ناقد او منقود وتناوبهما خلال جميع مراحل حياته, وهذا يحتّم علينا تفعيل دور كل من الأسرة الاردنية, ووسائل إعلامنا المسموعة والمرئية, ومؤسساتنا التعليمية.. لبناء ثقافة عالية في مهارة انتقاد أداء الأشخاص وليس انتقاد الأشخاص انفسهم.
في جميع دساتير العالم لا يجوز باي شكل من الاشكال انتقاد الاشخاص لشخصهم من حيث مذهبهم أو عرقهم أو لونهم أو حتى خصائصهم الشخصية وسماتهم, فهذا الامر يعاقب عليه القانون, كذلك لا يجوز انتقاد الاداء مع ربط الاداء بمذهب أو عرق أو لون أو حتى خصائص الشخص وسماته, والجائز المسموح به هو فقط انتقاد أداء الاشخاص فقط وذلك من خلال ذكر البرامج والمشاريع والخطط والانشطة التي تم تنفيذها وثبت فشلها على أرض الواقع.
وبعد..
كثير من ممارسات النقد التي يقوم بها البعض اليوم تجاه شخوص النظام أو الدولة أو الحكومة وليس تجاه أدائهم قد توقع هؤلاء في قبضة القانون.