عيسى محارب العجارمة - حرب رمضان المجيدة كانت درسا شخصيا لي منذ نعومة اظفاري، ورغم بواكيرالطفولة الغضة الا انني ادركت من حديث المدرسين والخوري وحماسهم الكبير ان هناك طوشة كبيرة بين العرب واليهود.
ولانني كنت حينها بالصف الاول الابتدائي بمدرسة ثيودور شنلر الالمانية بالقسم الداخلي بالعاصمة الاردنية عمان فهمت الان قصة اطفاء الانوار ليلا بمعركة عربية تدور رحاها بذاك الزمن القومي النبيل.
حرصا من الخوري الالماني النبيل القس برنر مدير المدرسة بذاك الدير ان لا يغير الطيران الصهيوني على المدرسة الملاصقة لمطار ماركا العسكري وتلك قصة أخرى.
فالمحاولة الفاشلة التي قامت بها إسرائيل لحفظ ماء الوجه: «الدفرسوار» هي قصة ملحمة مصرية.. ووهم إسرائيلى سردتها لنا مجلة روز اليوسف بعددها الاخير بقلم احمد حلمي، والذي اقتبس منه بتصرف اسرار تلك المعركة الحاسمة.
فبَعد مرور 48 عامًا على انتصارات أكتوبر المجيدة لا تزال تخرج علينا الصحفُ الإسرائيلية للترويج حول انتهاء تلك الحرب المجيدة بالتعادل نتيجة لوجود جيب إسرائيلى عُرف بثغرة الدفرسوار.. ولكن الحقيقة المؤكدة أن الإسرائيليين أدركوا بعد حجم الخسائر الرهيبة فى قطاع الثغرة أن العملية برمتها محكوم عليها بالفشل؛ لأن الجيب الإسرائيلى بات محاصرًا من القوات المصرية شرق وغرب القناة وبإمكان المصريين تفعيل الخطة «شامل» لولا تدخُّل هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى بمبادرة ظاهرها وقف إطلاق النار، وباطنها إنقاذ إسرائيل من هزيمة جديدة غرب القناة!
ومن خلال ما جرى فى الأيام الأخيرة من الحرب، التى دارت معظم معاركها فى منطقة ثغرة الدفرسوار وبعض امتداداتها شمالاً صوب مدينة الإسماعيلية وجنوبًا صوب مدينة السويس، تكشَّف لنا أن ما عُرف بالثغرة هى محاولة محكومٌ عليها بالفشل قامت بها إسرائيل لحفظ ماء الوجه، ولولا المساعدات والجسور الجوية التى أقامتها الولايات المتحدة الأمريكية لمد إسرائيل بالأسلحة والعتاد لمواجهة زحف القوات المصرية ونجاحها فى السيطرة على أراضى سيناء واقتحامها لمعظم النقاط الحصينة التى أقامتها إسرائيل على طول خط بارليف المنيع لما فكرت إسرائيل فى فخ الثغرة الذى كشف عورة چنرالاتها. بَعد المفاجأة الاستراتيچية التى لحقت بالجيش الإسرائيلى على يد القوات المسلحة المصرية والتى أدت إلى عجز القيادة الإسرائيلية عن تنفيذ أى ضربة لإجهاض الهجوم المصرى قبل وقوعه، وبَعد فشل الهجوم المضاد الرئيسى الذى كان أمل إسرائيل معلقًا عليه لرد الهجوم المصرى على أعقابه وإعادة الموقف إلى ما كان عليه قبل ظهر يوم 6 أكتوبر 1973؛ كان تصميم القيادة الإسرائيلية يتركز على ضرورة تغيير الوضع الاستراتيچى على الجبهة المصرية تغييرًا جذريًا، قبل أن يصدر القرار المنتظر من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار فى ظل هزيمة منكرة ومُذلة للقوات الإسرائيلية.. وفى ذروة انتصار مصرى ساحق واضح للعيان، وهو الأمرُ الذى لا يمكن أن تقبله إسرائيل ولا يمكن أن يرضى به أحد من أصدقائها المخلصين من البيت الأبيض فى واشنطن؛ لذا اتجه تفكير قادتها العسكريين على وجوب القيام بعملية سريعة غير متوقعة يمكن عن طريقها استعادة ميزة المبادأة التى فقدوها منذ بداية الحرب، وإعادة ثقة القوات الإسرائيلية بقيادتها وثقة الشعب الإسرائيلى بجيشه الذى لا يُقهر.
وكانت الطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك هى عبور القوات الإسرائيلية قناة السويس من الشرق إلى الغرب، وذلك بعد أن اكتشفت عن طريق طائرة الاستطلاع الأمريكية «SR-71»، وجود فجوة بين خطوط الجيش الثانى والثالث على الضفة الشرقية للقناة قرب «الدفرسوار» والعمل على استغلال هذه المعلومة بسرعة؛ وذلك للحصول على أى مكسب على الأرض لتحسين الصورة العامة للجيش الإسرائيلى قبل صدور القرار المرتقب بوقف إطلاق النار.
وكان الدعم الأمريكى الواسع النطاق لإسرائيل من العوامل المهمة التى شجعت قيادتها العسكرية على الإقدام على هذه المغامرة. فلقد حصلت إسرائيل من الناحية الواقعية على جسر جوى أمريكى تحت ستر طائرات الچامبو الإسرائيلية التابعة لشركة العال اعتبارًا من يوم 7 أكتوبر، كما أصدر الرئيس الأمريكى نيكسون قرارًا بتعويض إسرائيل عن كل خسائرها فى الحرب. وفى يوم 13 أكتوبر بدأ بصفة رسمية الجسر الجوى الأمريكى الذى نقل إلى إسرائيل- حتى نهاية الحرب- نحو آلاف الأطنان من كل الأسلحة والمعدات المتطورة الحديثة، كما قامت طلعات طائرات التجسُّس الأمريكية فوق جبهة القتال بتوفير وتوصيل أدق المعلومات التفصيلية عن القوات المصرية إلى المخابرات الإسرائيلية.
عملية المصيدة «الدفرسوار»
كانت ردّة الفعل الإسرائيلية أمام المفاجأة المصرية بطيئة. ففى 8 أكتوبر 1973، أمَرَ الچنرال «شموئيل جونين» قائد الجبهة الجنوبية بشن هجمات واسعة النطاق ضد الدفاعات المصرية الجديدة على الضفة الشرقية للقناة. كانت القوات المصرية على أهبة الاستعداد وبالتالى أصبحت تشكيلات الدبابات الإسرائيلية ثم بعد ذلك بدء العمل على تنفيذ المخطط المتفق عليه وهو عملية العبور إلى غرب القناة ومحاولة قطع طريق الإمداد للجيش الثالث ومحاولة عزله، وكانت المعركة التى وقعت فى منطقة «المزرعة الصينية».
التحليل العسكرى لمعركة «الدفرسوار»
وبَعد العديد من العمليات العسكرية من الهجوم والهجوم المضاد بين كلا الطرفين كانت محاولة تسجيل «شو إعلامى» لتحسين شكل الجيش الإسرائيلى ضئيلة جدًا بالنسبة لما تم تخصيصه من عتاد عسكرى هائل وعدد كبير من القتلى والجرحى من الجيش الإسرائيلى، ومن ثم فإن عملية «الدفرسوار» كانت رهان العدو الأخير (بعد خسارته المذلة فى حرب أكتوبر) لتحقيق «بروباچندا» للتغطية على تلك الهزيمة قد فشلت بسبب عاملين رئيسيين. أولهما: تأخر وصول الكبارى ومعدات العبور إلى منطقة المعبر «بالدفرسوار» نتيجة سيطرة القوات المصرية. على الطريق الرئيسى وكانت الخطة الإسرائيلية الأصلية لعملية العبور للغرب والتى سبق التخطيط لها قبل الحرب مبنية على أساس أن العبور سيتم تنفيذه أثناء وجود القوات المصرية غرب القناة، أى أن الشاطئ الشرقى للقناة سيكون تحت سيطرة القوات الإسرائيلية، وأن حصون خط «بارليف» سيتم استخدامها فى تأمين عملية العبور وأن الكبارى الثقيلة ومعدات العبور سيجرى تجميعها وتجهيزها على مقربة من الطريق الموازى للقناة دون أى ضغط أو تدخُّل من المصريين. ولكن الظروف التى أجريت فيها عملية العبور الفعلية ليلة 15/16 أكتوبر كانت مختلفة تمامًا عمّا كان مقدرًا فى الخطة الأصلية، فلقد أجريت العملية رغم أن كلا الشاطئين الشرقى والغربى للقناة كان تحت السيطرة التامة للقوات المصرية.
أمّا العامل الرئيسى الثانى الذى تسبب فى فشل عملية العبور الإسرائيلى، فهو التعطيل الذى جرى فى عمليات تأمين المَعبر عند «الدفرسوار» وتطهير المحورين الرئيسيين للتقدم (أكافيش وطرطور) والتى كانت تستلزم ضرورة السيطرة على المنطقة الممتدة من نقطة العبور حتى مسافة 5 كم شمالاً أو حتى شمال المزرعة الصينية وكان مقدرًا لها أن تتم خلال ليلة 15/16 أكتوبر.
ونتيجة لهذين العاملين فقد فشلت خطة العبور الإسرائيلية وانهار الجدول الزمنى المحدد لها وواجَه لواء المظلات بقيادة العقيد «دانى مات» الذى عبر قناة السويس ليلة 15/16 أكتوبر فى قوارب مطاطية وقتًا عصيبًا. فقد ظل معزولاً بالضفة الغربية للقناة مع 30 دبابة عبرت بالضفة الشرقية كما أصدر الچنرال «حاييم بارليف» أمرًا بعد ظهر يوم 16 أكتوبر بعدم عبور أى قوات إسرائيلية أو دبابات إلى الضفة الغربية فى قوارب حتى لا يزداد حجم القوة الإسرائيلية الموجودة غرب القناة والمعزولة عن قواعدها فى الشرق والمعرضة لخطر الإبادة.
قرار وقف إطلاق النار الذى أنقذ الإسرائيليين من الإبادة
ومن هنا فإن عملية «الدفرسوار» ليست عملية عسكرية الغرض منها احتلال الأرض أو حتى إعادة تمركز القوات لفرض أمْر واقع بعد ذلك؛ إنما كانت من نوعية العمليات الدعائية والمعروفة فى العلوم العسكرية بـ«الحرب المعنوية»؛ وذلك لرفع الروح المعنوية لدى قواتهم ومحاولة بث أخبار كاذبة تكون سببًا فى خفض الروح المعنوية لقواتنا.
وهى عبارة عن إنزال قوات صغيرة الحجم فى منطقة معزولة وتصوير هذا الإنزال ونشر هذه الصور على وسائل الإعلام الغربية والتى كانت «إسرائيل» مسيطرة عليها بشكل كبير آنذاك؛ وذلك لتسجيل نصر زائف على أرض المعركة.
والواقع أن ما حدث كان عبارة عن وصول بعض القوات الصغيرة والمحدودة إلى خط عرض 22 والذى أطلق عليه بعد ذلك «موشى ديان» لفظ «المصيدة» دليل على فشلهم فى إحراز أى نصر على الأرض وصدمة من خسائرهم المهولة فى المعركة من عتاد وأفراد. ولولا قرار وقف إطلاق النار لكان مصير تلك المجموعات التى طوّقتها قواتنا المسلحة المصرية الباسلة هو «الإبادة».