انتهى رئيس الوزراء د. بشر الخصاونة من إجراء التعديل الرابع على حكومته بعد مرور العام على تشكيلها، وهذا يعني حكما أنها مستمرة في إدارة شؤون البلاد حتى إشعار آخر.
كان الرهان أن يقوم رئيس الحكومة بتعديلات جذرية تسعفه لعبور مرحلة التعافي الاقتصادي والسياسي، لكن الكثير من المتابعين شعروا بخيبة أمل، فالتعديل برأيهم لم يُحدث فرقا، وظلت الأمور مكانك سر.
في مرحلة التعافي السياسي الموازي للتعافي الاقتصادي هناك الكثير الذي يتوجب عمله في الأشهر القادمة، فمجلس الوزراء أقر مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، ودفع بقانوني الانتخاب والأحزاب، والتعديلات الدستورية إلى ديوان التشريع والرأي للمراجعة، وإرسالها فيما بعد إلى مجلس الأمة.
في هذه الأثناء يكثر الحديث عن انتخابات رئاسة مجلس النواب، وهذه المرة رئاسة المجلس مرتبطة بشكل وثيق مع مخرجات اللجنة الملكية، فـ “الدولة” تريد لمن يستقر على كرسي رئاسة المجلس أن يكون ضامنا لتمرير هذه الحزمة من التشريعات التي تستهدف برأيهم بناء توجهات للإصلاح السياسي في العشرية القادمة من عمر الدولة.
في الدورة الماضية من عمر البرلمان كان محسوما أن الرئاسة سينتزعها عبد المنعم العودات، وهذا لم يكن سرا، بل كنت تسمعه على لسان العديد من المطلعين على خفايا مجلس النواب.
الصورة اليوم تغيرت، والتنافس الانتخابي مفتوح، وباعتقادي أن الكفة ستميل لمن يؤمّن الدعم لتوصيات اللجنة الملكية، ومن يستطيع أن يهيئ البرلمان للتعاطي مع الاستحقاقات السياسية القادمة.
هذا التصور لا يعني إطلاقا أن الغالبية البرلمانية لديها موقف معادٍ من أجندة اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، غير أن التحوط واجب للحد من فرص من يريدون المشاغبة، واستعراض العضلات لكسب الشعبية، والمؤكد أن الغالبية البرلمانية مضمونة، وستكون مؤيدة لمخرجات اللجنة بعد أن أبدى الملك دعما منقطع النظير لها، وإثر كلام الباشا مدير المخابرات للصحفيين عن مساندتها.
بالتوازي مع عمل الحكومة والبرلمان لإنجاز منظومة الإصلاح السياسي وفق مخرجات اللجنة الملكية، فإن ورشة عمل يجب أن يبدأها مجلس الوزراء لتعزيز مناخ الحريات الالعامة، وتوجهات الملك بإغلاق ملف قضايا إطالة اللسان، ودعوة رئيس الحكومة لمراجعة قرارات الاستيداع بحق المعلمين خطوة في الطريق الصحيح، والمطلوب الانطلاق للبناء عليها منظومة إجراءات لامتصاص حالة الاحتقان والغضب في المجتمع.
الإصلاح السياسي الذي طال انتظاره ليس تشريعات تعد في مختبر “السلطة” وعلى مقاسها، فيزهر ربيع الديمقراطية في بلادنا، وينعم الناس بها بين ليلة وضحاها، فالمشكلات والتحديات تتعدى حدود التشريعات رغم أهميتها، وأول المطلوب ضمان حق المجتمع في التعبير عن رأيه بحرية، وضمان حق الاحتجاج السلمي دون قيود.
تُدير الحكومة ظهرها للأزمة إذا لم تملك الجرأة في مواجهة قضية نقابة المعلمين، وإيجاد حل منصف وعادل يصون حقوق المعلمين والمعلمات بالتنظيم النقابي، ولن تتقدم وتستعيد ثقة الشارع إذا لم يشعر الناس أن حقوقهم ليست مكارم، ولهذا عليها التحرك العاجل لإعادة الاعتبار لحقوق مؤثرة في الحياة، يتقدمهما التعليم والصحة.
لو أنجزت الحكومة تقدما طفيفا في تحسين حالة التعليم، واسترجعت ثقة الأهالي أن المدارس الحكومية ستضمن تعليما وتأهيلا لأبنائهم وبناتهم يسهم في عبورهم للمستقبل بأمان، فإن ذلك يُشكل نقلة نوعية.
نفس الأمر في ميدان الصحة، فالناس لم تعد تأمن على حياتها في المستشفيات الحكومية، وهي لا تعرف ماذا تفعل خاصة أن الأغلبية ليس لديها تأمين صحي، وكلفة العلاج في القطاع الخاص جنونية مقارنة بالرواتب والدخل؟
آن الأوان أن تُعيد الحكومة النظر في أوجه الإنفاق في الموازنة الالعامة للدولة، وأن تزيد الموارد والمخصصات للتعليم والصحة والحماية الاجتماعية لتأخذ حصة الأسد على حساب أي إنفاق آخر بما في ذلك الأمن.
المطلوب من الحكومة كلام يقترن بالأفعال وليس شعارات في الهواء، وإرادة حاسمة تؤمن أن الحقوق لا مساومة عليها، وأن الإصلاح لا يتحقق إذا لم يقطف المجتمع ثماره حياة، ورفاها، وتنمية.
سيختلف الناس في تفاصيل رؤيتهم لقانون الانتخاب، ولكنهم يجمِعون على أن حقهم في التعبير واضح، ولا جدال عليه، ويجب أن يُصان، ولا يخضع لفذلكات حجب الإنترنت، والوصاية على منصات التواصل الاجتماعي.
المرحلة القادمة مهمة في عمر حكومة بشر الخصاونة، فإما أن تضع لها أقداما ثابتة، أو تصبح حكومة مرحلة انتقالية تعد أياما وشهورا لتهيئ الأجواء لحكومة قادمة تمضي عمرا طويلا في الدوار الرابع.