أنجزت نقابة الصحفيين أول انتخابات منذ جائحة كورونا، وكل الحديث عن بروتوكول صحي ثبت بالدليل القاطع أنه لم يُطبق، فلا تباعد، ولا كمامات، ومثلما فعلت الحكومة في تجاهل تطبيق البروتوكولات الصحية في المهرجانات والحفلات الغنائية، فإن الصحفيين والصحفيات فعلوا ما فعلته الحكومة.
شهدت الانتخابات تنافسا شديدا خاصة على موقع النقيب، واستطاع الزميل راكان السعايدة أن يظفر بالموقع مجددا بفارق 19 صوتا عن الزميل طارق المومني، وما صنعته الزميلة فلحة بريزات مُثير للاهتمام، فهو يُسجل ويُعتبر بكل المقاييس إنجازا واختراقا في منظومة العمل النقابي، فقد أكدت قوة ومكانة النساء، وقدرتهن على المنافسة على موقع النقيب، رغم خيبة الأمل في الاتجاه الآخر بعدم نجاح أي مرشحة لعضوية مجلس النقابة، وخسارة كل الزميلات اللاتي خضن هذه المعركة الانتخابية.
كثيرة هي الملاحظات التي تستحق أن تُرصد وتدون، وربما أولها أن القوة التصويتية لم تُعطَ للقوائم التي أعلنت، ولم تمنحها ثقتها (قائمة الهيئة العامة، قائمة النقابة)، والذين فازوا من القائمتين بعضوية المجلس لم يتجاوزوا الثلاثة من تسعة في عضوية المجلس، إضافة للنقيب رئيسا لقائمة الهيئة العامة، في حين خاضها نائب النقيب جمال شتيوي مستقلا.
وما يُلاحظ كذلك أن الفارق بين من فازوا من القوائم والذين أخفقوا بدءا ممن حصد المركز العاشر يقارب ضعف الأصوات، وهذا يؤشر بوضوح إلى أن غالبية أعضاء القائمتين لم يعملوا بشكل موحد، ولم يبذلوا الجهد المطلوب لحصد الأصوات للجميع، وأن هناك مقايضات وصفقات أبرمت من تحت الطاولة.
في كل الأحوال تجربة القوائم لا غنى عنها، وهي الأساس لتطور العملية الانتخابية، والمطلوب قوننتها بتعديل قانون النقابة ليدعم هذا التوجه، حتى ننتهي من زمن الانتخاب الفردي والشخصي، ونتخلص إلى الأبد من كلمة «أبشر» التي يصرفها معظم أعضاء الهيئة العامة للمرشحين والمرشحات.
الملاحظة الأخرى الجديرة بالرصد أن المؤسسات الإعلامية الكبرى، وتحديدا صحيفتي الرأي والدستور لم يعد لهما ذات الثقل السابق في ترسيم الانتخابات، ومن الواضح من نتائج الانتخابات أن وكالة الأنباء الأردنية «بترا» حققت حضورا أوسع، والمستقلين، والمواقع الإلكترونية، والتلفزيون والإذاعة تتحسن مواقعهم في الحسم وصناعة القرار الانتخابي.
صفحة الانتخابات طويت، والتهنئة لجميع من فازوا وحازوا على ثقة الهيئة العامة سواء اتفقنا معهم أو اختلفنا، واليوم يوجد مجلس نقابة صحفيين جديد – ما لم تحدث طعون تغيير الواقع- مطالب أن يُجاهد لينقذ الصحافة من الانهيار، فالنقيب ونائبه وأعضاء المجلس لا يُحسدون على المهمة التي يتصدون لها في ظل انهيار، وتراجع العمل الإعلامي.
بذلت «تنسيقية المواقع الإلكترونية» جهودا في إعداد ورقة موقف تحت عنوان» إنقاذ الإعلام وانتخابات نقابة الصحفيين … خريطة طريق لمواجهة التحديات وآليات المراجعة والمساءلة»، وقع عليها ما يقارب 200 إعلامية وإعلاميا العديد منهم فازوا بالانتخابات، وأصبح من الضروري أن يتبنوها، وأن يعملوا على ترجمتها إلى فعل مؤسسي ومنهجي للتعامل مع أزمة الاعلام فيها بلادنا.
ورقة الموقف شخصت بالتفصيل حال الإعلام في الأردن، وتوقفت عند نقطة مفصلية ترتبط بحرية واستقلالية العمل الصحفي، وركزت على سيطرة الحكومة على وسائل الإعلام، واستخدام ملكيتها لبسط هيمنتها، أو توظيف التشريع كأداة لتقيدها.
ولم تتجاهل ورقة الموقف أهمية تمويل الإعلام لضمان استقلاليته، وتحدثت عن الآليات التي تتبعها الحكومة لإبقاء وسائل الإعلام تدور في فلكها، وتظل تحتاج رعايتها ودعمها.
وأسهبت ورقة الموقف في تقديم تصور عن حالة التشريعات والسياسات والممارسات الحكومية طوال العقود الماضية، وكيف تحولت القوانين لحقول ألغام تُشكل خطرا على الصحفيين والصحفيات، وتُحاصرهم وتُرعبهم في التوقيف والحبس، والغرامات المالية المغلظة، في حين لم تتحول السياسات لاستراتيجيات وخطط حاضنة وداعمة لوسائل الإعلام، وبقيت الممارسات لا تصون حرية الإعلام، وظل الذين يتدخلون بالإعلام وينتهكون حريته بعيدا عن المساءلة، ويفلتون من العقاب.
مجلس نقابة الصحفيين الجديد مطالب بوضع خطة تنفيذية بمؤشرات قياس، ومرتبطة بإطار زمني محدد، ومرصود لها مخصصات مالية لتنفيذها، وليس شعارات، وكلام، ووعود في الهواء.
ما يجب أن يفعله المجلس بتعاون مع الهيئة العامة وضع آليات للرقابة، والمساءلة، والمحاسبة حتى لا يتكرر ما يحدث في كل انتخابات، فالغالبية تضع صوتها في الصندوق، وتُدير ظهرها، ولا تعود إلا بعد ثلاث سنوات للانتخاب مجددا دون حتى أن تُكلف نفسها عناء تدقيق التقارير الإدارية والمالية لمجلس النقابة، ودون أن ترفع بوجههم الكرت الأحمر إن خالفوا إرادتها.