مهدي مبارك عبد الله - لم يسبق في تاريخ الكيان الصهيوني أن قدم رئيس أمريكي خدماتٍ جليلة وعظيمة أكثر مما قدمه الرئيس دونالد ترامب طيلة أربع سنوات من حكمه فقد تجرأ على ما لم يتجرأ عليه أي رئيس أمريكي سابق حيث نقل السفارة الأمريكية من تل ابيب إلى القدس واعترف بها عاصمة موحدة لإسرائيل كما أغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن واعتبر الاستيطان الإسرائيلي بالأراضي الفلسطينية شرعيا واعترف بسيادة اسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة وقطع المساعدات المالية عن منظمة الأونروا لإغاثة الفلسطينيين بغرض تصفية قضية اللاجئين
وقبل الانتخابات الامريكية بأشهر قاد ترامب عملية تطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل كما ألغى القيود التي كانت تمنع استخدام المساعدات الأمريكية ( المخصصة للتعاون العلمي ) في المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية ومرتفعات الجولان وفوق ذلك كله تبنى ترامب ( خطة صفقة القرن ) المزعومة التي سمحت لإسرائيل بضم 30 % من الضفة الغربية إضافة إلى القدس الشرقية كما كانت ( خطة المؤامرة ) تنص على منح تل أبيب سيادة أمنية كاملة على المنطقة ما بين البحر والنهر ومنع أي عودة للاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وديارهم
لكن بمجرد أن شعر اليهود في أمريكا البالغ عددهم فيها ( 6.9 مليون نسمة ) وهو ما يقارب عدد اليهود بفلسطين بقرب هزيمته لم يترددوا في خذلانه وطعنِه في الظهر والتخلي عنه ومن دون أي تقدير لتفانيه في خدمتهم وعلى الرغم ان ترامب كان يحظى بدعم غير محدود من اليمين الإسرائيلي وجماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل بالولايات المتحدة غير أنه كان ولا زال يفتقد لأصوات العديد من اليهود الأمريكيين ولطالما اشتكى من تصويت اليهود الأمريكيين لصالح المرشح الديمقراطي المنافس له وقد وصف ترامب اليهود بأنهم لا يحبون إسرائيل وقد جوبهت تصريحاته وقتها بتنديد واسع من قبل المنظمات اليهودية الأمريكية المسيطرة
رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو رفض في مرحلة السباق الانتخابي الرئاسي الأخير بين ترامب وبايدن الإدلاء بأي تصريح يدعم فيه علناً حليفه وصديقه ترامب لولاية رئاسية ثانية وهو ما فوت عليه نحو 77 % من أصوات يهود أمريكا التي ذهبت إلى جو بايدن وساهمت برفقة أصوات مسلمي أمريكا والأمريكيين السود من أصل إفريقي في صنع الفارق بينهما وهي الأقليات التي صوتت لصالح بايدن ( عقابا لترامب ) الذي طالما كان عنصريا ضدهم ومتغطرسا ومتعاليا عليهم بخلاف يهود أمريكا الذين كان يرعاهم ويدللهم ويقربهم اليه
ما فعله يهود أمريكا بحليفهم الوفي يوم 3 نوفمبر عام 2020 سيظل ذكرى مؤلمة لترامب وحزبه راسخة في التاريخ فقد أثبت اليهود مرة أخرى أنهم لا صديق لهم سوى ( مصالحهم وأنهم لا يحفظون جميلاً ولا عهدا لأحد ) وأي كان فبمجرد أن رءوا كفة النصر تميل لخصم ترامب وأن الدنيا ستدير له ظهرها سارعوا إلى التخلي عنه ومد أيديهم إلى منافسه من دون أن يرف لهم جفن عين
العديد من التقارير الإعلامية آنذاك ذكرت أن أكثر ما اثار ( حنق ترامب والمه ) خلال الانتخابات هو تخلي نتنياهو عن دعمه علنا وعدم توجيهه نداء ليهود أمريكا للتصويت لصالحه برغم كل ما قدمه من خدمات للكيان الاسرائيلي وليهود بلده
أسوأ أداء انتخابي حصل عليه الجمهوريون من اليهود الأمريكيين منذ السباق الرئاسي لعام 2008 كان في عام 2020 حيث اظهر ان الغالبية العظمى من اليهود الأمريكيين صوتوا لصالح المرشح الديمقراطي جو بايدن والحزب الديمقراطي وجميع هدايا ترامب لإسرائيل على مدى اربع سنوات لم تسعفه بالحصول على دعم اليهود بالولايات المتحدة الامريكية
ما حصل لترامب ينبغي ان يكون فيه ( درس وعبرة ) لكل المهرولين العرب زحفا وانبطاحا خلف الكيان الاسرائيلي هؤلئك الذين انخرطوا سريعا بعلاقات حميمية معه ووقعوا اتفاقيات تعاونٍ اقتصادي وتجاري وسياحي وتبادلِ زياراتٍ للوفود وبعضهم يستعدون اليوم لإقامة حلف عسكري مشترك مع تل ابيب ضد إيران وحلفائها في المنطقة ومنهم ( حماس والجهاد الإسلامي ) في غزة وحزب الله في لبنان
ناهيك عن شنهم المتواصل لحملات شيطنةٍ مشؤومة ضد الفلسطينيين شعب وقيادة وانخراط بعض مثقفيهم في تبني رواية الاحتلال عن ( الحق اليهودي التاريخي ) في ( أرض الميعاد وجبل الهيكل ) حتى أن مفتي بعض هذه الدول المطبعة أبدى دهشته العظيمة للحماسة الشديدة التي يبديها المهرولين الجدد في تطبيعهم الشامل مع الاحتلال إلى درجة أنهم أصبحوا يفتخرون بعلاقاتهم شبه الأخوية وتواصلهم اليومي مع اليهود بلا ( استحياء او استخفاء )
رغم كل هذا الدعم الهائل واللامحدود الذي ضخه ترامب لليهود الا ان استطلاع للرأي نشرته اللجنة اليهودية الأمريكية بعد انتهاء سباق الانتخابات الامريكية التي خسر فيها ترامب أظهر أن 75 % من اليهود الأمريكيين صوتوا للمرشح الديمقراطي جو بايدن مقابل 22 % فقط ادلوا بأصواتهم لترامب وان ٤٥ % من اليهود كانوا قد صوتوا للمرشحة الرئاسية هيلارى كلينتون عام ٢٠١٦ وهو ما يثبت واقعيا وعمليا إن توجهات اليهود الأمريكيين معاكسة تماما لتوجهات ورؤى اليهود الإسرائيليين وعلى الرغم ايضا من أن ترامب لا يحظى بدعم أصوات اليهود الأمريكيين فإن قاعدته الانتخابية يغلب عليها الإنجيليين اليمنيين الداعمين للسياسة اليمينية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين
أكثرية الناخبين اليهود داخل امريكا مع المرشحين الديمقراطيين عموما ويؤيدون حل الدولتين بين الفلسطينيين واسرائيل والعودة للاتفاق النووي مع إيران الذى أبرمه الرئيس السابق باراك أوباما في وقت لا زال فيه معظم العرب يعتقدون بأن يهود أمريكا لا هم إلا إسرائيل ولا توجد لديهم أي قضية أخرى غيرها فضلا عن انهم يضعون يهود أمريكا والعالم فى سلة واحدة فى كل القضايا مع يهود إسرائيل لهذت كانت نتائج الانتخابات الامريكية الأخيرة صادمة لكثير من العربان لأنها خالفت معظم إن لم يكن كل توقعاتهم التقليدية غير المدروسة
إذا كان نتنياهو حليف ترامب الأول أدار ظهره له ورفض دعمه علنا وسارع إلى تهنئة خصمه بايدن بفوزه بالرئاسة ووصفه بـ ( الصديق العظيم ) فهل يطمع ( مهرولو التطبيع ) بأن يصفو لهم ودُّ ونية ( نتنياهو او بينيت نقتالي او يائير لابيد ) او غيرهم ويسارعوا إلى نجدتهم إذا ما داهمهم الخطر ذات يوم او اذا ما ثارت عليهم شعوبُهم أو ورطوا في حربٍ مقبلة مع إيران وهل سيضغط اللوبي الصهيوني على الإدارة الأمريكية لتتدخل لإنقاذهم نقول ( حتما لا ) لان الشواهد امامنا كثيرة نذكر بعضها على سيبل المثال لا الحصر
حينما ثار المصريون على رئيسهم السابق محمد حسني مبارك في عام 2011 أدار له حلفاؤه الاسرائيليون ظهورهم بكل بساطة ولم يسارع اللوبي الصهيوني في أمريكا إلى الضغط على الرئيس السابق باراك أوباما لنجدته وتركوه يسقط غير مأسوفٍ عليه مع أنهم كانوا يصفونه بـ ( الكنز الاستراتيجي لإسرائيل ) ولكم في محمد رضا بهلوي شاه ايران عبرة لهذا وغيره نعتقد أن حال الباقين ممن ربطوا وجودهم ومستقبلهم بتل ابيب لن يختلف عنهم وسوف يستَخدمون ردحا من الزمن لخدمة مخططات الاحتلال الرامية إلى ابتلاع فلسطين وتصفية قضيتها ثم يرمون بلا اسف كـ ( قشور الليمون ) بعد عصرها وستبقى الأيام دول بين الناس تذكرنا بأحوالها
الحقيقة الساطعة عبر السنين والتي لا يحب ان يراها البعض انه لو فكر العرب بطريقة سليمة وصحيحة لكان بإمكانهم التأثير بصورة إيجابية في الرأي العام اليهود الأمريكي للمساعدة بالدفع نحو الحل السلمى والعادل للقضية الفلسطينية وربما كان من الاجدى أن يتواصلوا معهم مباشرة أفضل كثيرا مما تعاملوا وتواصلوا مع المتطرف الارعن نتنياهو فلو حدث ذلك فعلا ربما شعر ترامب حينها وكل قادة الليكود اليمينيين
أن العرب يملكون ( أوراق ضغط فاعلة ومؤثرة ) لكن للأسف الشديد اننا كالعادة لم نقرأ المشهد جيدا ولم نفهم الصورة بدقة وانطلقنا في مواكب تقديم التنازلات والهدايا المجانية لترامب ولم تمنعه على كثرتها من ( ازدرائنا واحتقار بعضنا واعتبارهم مجرد بقرة حلوب ) قبل وصوله الى الخسارة المدوية التي جعلت نتنياهو وقادة إسرائيل يتخلون عنه بمجرد سقوطه بعكس ما كنا نحن عليه متشبثون به حتى الرمق الأخير رغم فقدان الأمل
اذا بالله رب العرش العظيم متى نتعلم كعرب ( قيادات ومسؤولين ) ممارسة العمل السياسي بصورة صحيحة أو حتى ممارسته لخدمة مصالحنا وقضايانا الفعلية والعادلة
واخيرا لابد ان نتمتم بمرثية طال ترديدها في قلوب الشعوب العربية المحطمة وغير اليائسة رغم الجرح والألم والحقد والحسد والنفاق والتدليس ورغم الخسة والنذالة والتطبيع والكذب والخيانة والظلم والطغيان ورغم القتل والإحراق والسجن والسجان ورغم الشهداء والمعتقلين والمصابين والمفقودين ورغم جهل الجاهلين وحقد الحاقدين وافتراء المفترين وتزوير المزورين والذل والعار وإعلام التشهير والتكذيب صوت وسوط السلطة والحكام المارقين ورغم تآمر المتآمرين وخيانة الخائنين ورغم رفض الانقلاب والمشقة والتعب وعناد وسطوة الانقلابيين ورغم الجرح والألم ستبقى دعوة الحق الخالدة فينا املا ورجاء ( اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون )
mahdimubarak@gmail.com