تصرّ قوات الاحتلال الإسرائيلي والكيان الإسرائيلي المغتصب لأرض ووطن وتاريخ، في كلّ جرائمه ضد الإنسان الفلسطيني، وأنا هنا أتعمّد استباق فلسطيني بكلمة انسان، تصرّ على جعلنا نبحث عن مفردات جديدة في لغتنا الواسعة نبحث من خلالها لوصف لبشاعة جرائمها وما تقوم به بين الحين والآخر وبمواعيد زمنية متقاربة لاقتراف من نجد في وصفه عجزا لغويا لا يمنحنا على الأقل راحة الوصف.
أن تبتعد اسرائيل عن كل مفاهيم الإنسانية في تعاملها مع الانسان الفسطيني، وتبعده آلاف الأميال عن الإنسانية، والتعامل معه على هذا الأساس، بات خبرا قديما، وحالا ربما اعتاد عليه الفسطينيون الذي أصبحت مواجهته جزءا أساسيا في نضالهم، لكن أن يصل الأمر ببشاعة اجرامهم إلى عدم احترام حرمة الأموات والشهداء، فهذا أمر نحسب أنه أعلى درجات الإجرام والذي ربما لم تتنبه له كافة قوانين وتشريعات حقوق الإنسان عربيا ودوليا، وأحسب أن أحدا من المشرّعين لم يرد لذهنه أن أحدا سينتهك هذه الحرمة وينبش قبرا ويترك جرّافاته تعبث في المقابر.
دون مقدمات - كعادتها- تقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ أيام بأعمال نبش وتجريف ومحاصرة المقبرة اليوسفية، المحاذية للمسجد الأقصى المبارك، علما بأن هذه المقبرة تضم رفات شهداء جيوش عربية قاتلت دفاعا عن القدس، بمعنى أن لهذه المقبرة رمزية نضالية فلسطينية وعربية، وفيما تقوم به اسرائيل رغم مبرراتها الواهية أيضا – كعادتها – ليس إجراءات تنظيمية وفق ادعاءاتها، إذ يؤكد فلسطينيون أن ما تقوم به يأتي في إطار «مخطط تهويدي وليس خدماتيا، وتتضمن جوانب غاية في الخطورة، ومنها زرع قبور وهمية لإثبات وجود تاريخ يهودي في المدينة المقدسة المحتلة.
كما ويسعى الاحتلال إلى إقامة «حدائق توراتية» على أنقاض قبور المسلمين في «اليوسفية»، ولا بد من الاشارة هنا الى انها تضم قبور العديد من العلماء وقبر «الجندي المجهول» ورفات شهداء من الجيشين الأردني والعراقي، وغيرهم، إضافة إلى العديد من المناضلين الذين قدموا قبل عام 1948 إلى فلسطين دفاعا عنها، ودفنوا فيها من غير أسماء.
هي جريمة اسرائيلية جديدة، نحتاج إليها للغة خاصة حتى نتمكن من الحديث عنها، ووصفها بما يحكي بشاعة الجريمة، تحيط بخاصرة فلسطين والعالم بويلات ستودي ليس فقط بتحقيق السلام، إنما حتى بحلم تحقيقه، فلن يرد حتى في أحلامنا السلام بعد هذه الجريمة، فأن يرى الفلسطينيون أجساد ذويهم وجماجمهم تتدحرج وقد نبشت جرافات الاحتلال قبورهم، هذه جريمة تزرع ألغام ظلم لن تحمد عقباها.
أعلنت فلسطين ملايين المرات جدارتها بالحياة، فالحياة تليق بها، لكن اسرائيل تصرّ حتى اللحظة على ابقاء فلسطين على قائمة الانتظار لتنعم بحياة بنكهة البقاء، وها هي اليوم تزيد من دائرة اجرامها وتجعل من أسلحتها أكثر ألما ومرارة، تاركة خلف ظهرها كل معاني الإنسانية وحقوقها، مرتكبة جريمة بحق الإنسانية وجريمة حرب، تستبدل آخر أحرف السلام بالحاء، جاعلة منه سلاحا دائما، في وجه الأمل بالاستقرار الذي يسعى إليه الفلسطينيون والجميع عربيا ودوليا.
ما تقوم به اسرائيل في «اليوسفية» ليس تجريف مقبرة، إنما تجريف تاريخ، ثريّ بنضال فلسطيني أردني عربي، وصناعة تاريخ جديد مصطنع يهدف لتهويد المدينة المقدسة المحتلة، ووصل الأمر بها لبناء قبور وهمية بأسماء اسرائيلية، الأمر الذي يفرض تحركا لمواجهة ما تسعى لتحقيقه اسرائيل، فالقدس اليوم في وجه عاصفة خطيرة يجب التنبّه لخطورتها، فهذه القبور أحد حرّاس تاريخ القدس المحتلة، وصورة واقعية لمن قدّم عمره وروحه فداء لفلسطين كاتبين بشهاداتهم تاريخ وطن وحقّ حياة.
اليوم، على المجتمعين العربي والدولي مساندة فلسطين والأردن في مواجهة هذه الجريمة، ودعم صمود المقدسين والفلسطينيين في نضالهم حيال ما يحدث من جرائم إسرائيلية خطيرة.