مهدي مبارك عبد الله - لا شك انه بداخل كل انسان سوي ضمير يوخِزه ويؤلمه عند قيامه او احساسه بالظلم والعدوان على الابرياء دونما اسباب أو مشاركته في ارتكاب الجريمة والخطأ والتقصير حيث يصحو الضمير الإنساني عند البعض ويعتدل ويكون جريئا وواضحاً بدلًا من ان يبقى مستترا مكسورا ومجرورا وراء الخوف والمحاباة والتضليل تبعا لرغبات او سطوة الاخرين
في العشر الاواخر شهر ايلول الماضي من العام الجاري وبينما كان الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش الابن يستعرض نفسه بزهو وغرور خلال مشاركته في لقاء عام أقيم في مدينة ( لونغ بيتش ) بمقاطعة لوس أنجلوس الأمريكية للحديث عن سنوات حكمه واجه هجوم عنيف وصراحة جارحة كانت اشبه بـ ( قنبلة موقوتة ) انفجرت في وجهه حينما قاطعه ( مايك بريزنر ) الجندي السابق في الجيش الأمريكي والباحث السياسي قائلا له وبصراخ عال عبر فيه عن غضبه وثورته ( متى ستعتذر عن قتل مليون عراقي بسبب كذبك واستخدام الأسلحة الكيميائية في مدينة الفلوجة انت لا زلت تمارس الكذب على الامريكيين علنا حتى بعد خروجك من البيت الابيض )
وأضاف الجندي الامريكي وهو يخاطب بوش انت ( كذبت بشأن أسلحة الدمار الشامل والصقتها بأحداث 11 سبتمبر وكذبت ايضا بشأن العراق بأنه شكل تهديد وخطر على العالم والمنطقة ) وتابع ( بريزنر ) انت أرسلتني إلى العراق قبل نحو 20 عام وقتلت أصدقائي مات أصدقائي بسبب كذبك المستمر والكثير منهم قضىوا انتحارًا أو جرحى في حروب وهمية أخرى لم نكن بحاجة لها والأحياء منهم أصبحوا ناشطين مناهضين للحرب بعد العراق ( عليك أن تعتذر عليك الاعتذار )
وأثناء سرده لأسماء أصدقائه الذين قتلوا بسبب الحرب الأمريكية في العراق أخرجه أفراد الأمن عنوة ومزقوا القائمة التي بين يديه وتحفظوا عليه بعض الوقت فيما حاول قبلها بوش نفسه اسكاته عدة مرات صائحًا به ( اجلس وتصرف باحترام ) لكنه واصل حديثة بشكل احدث جلبة كبيرة بين الحضور وهو ما احرج واربك وازعج بوش الابن وقد ظهر ذلك كله في مقطع فيديو موثق مدته 51 ثانية تداوله معظم رواد مواقع التواصل الاجتماعي داخل امريكا وخارجها
كما دعم هجوم الجندي الامريكي على الرئيس بوش في نفس اللقاء الناشط والباحث السياسي الامريكي ( جيب سبراغ ) الذي قال لبوش بنبرة التحدي ( حربك دمرت حياة قريبي وكانت كابوسا على عائلتي حربك قتلت مليون عراقي بدون ذنب وعشرات الآلاف من بلا اسباب ولا زال العار يلاحقك وامريكا جراء استخدم مادة الفوسفور الأبيض ( سلاح كيميائي ) عند ضرب الفلوجة للتغلب على المقاومة العنيفة والشرسة التي دافعت عن بلدها ضد المحتل
وبينما عارض مقدم اللقاء حديث سبراغ واتهمه بعدم احترام الجمهور استكمل الأخير صراخه وتابع قوله ( لا بد أن تكون اليوم داخل السجن ) في إشارة إلى بوش واكتفى الرئيس بوش بالرد عليه بقوله في ( دول أخرى يزج بشخص مثلك في السجن لصراخه في وجه الرئيس ) يشار إلى أن عشرات المحتجين حاصروا مبنى القاعة التي شهدت لقاء جورج بوش رفضا لوجوده وقد حاول البعض منع دخوله اليها
وتأكيدا لما قاله الجندي الامريكي ( بريزنر ) والباحث السياسي الامريكي ( جيب سبراغ ) كشف بروس رايدل المستشار الخاص للرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن في ندوة نظّمها منتدى السادات في واشنطن بمناسبة الذّكرى العشرين لهجمات الحادي عشر من سبتمبر سِرا على دَرجةٍ كبيرةٍ من الخطورة عندما قال في يوم 14 سبتمبر عام 2001 أي بعد ثلاثة أيام من الهجمات التي شنها تنظيم القاعدة اتصل الرئيس جورج بوش بتوني بلير رئيس الوزراء البريطاني في حينها وأبلغه أن أمريكا ستهاجم العِراق وليس أفغانستان فقط
بعد عامين ونصف العام بالتمام والكمال جندت الإدارة الأمريكية أكثر من ثلاثين دولة بينها دول عربية لغزو العِراق واحتِلاله سبقها حملة إعلامية مكثفة حاولت أن تربط بين الرئيس العِراقي الراحل صدام حسين وتنظيم القاعدة وبالإضافة الى تضخيم أُكذوبة ( أسلحة الدمار الشامل ) ومن المفارقة أن بلير كان من أكثر المشاركين حماسةً لتدمير هذا البلد العربي المسلم وكان تِعداد جيشه الذي شارك في العدوان على العراق هو الأضخم بعد الجيش الأمريكي
الادوات الصهيونية ممثلة باللوبي الإسرائيلي ورموزه الاكاديمية والسياسية بدأت عملية التمهيد المسبقة لهذا الغزو قبل عدة أعوام من هذه الهجمات حيث نشروا إعلان على صدر صفحة كاملة في صحيفة نيويورك تايمز يعتبر العِراق الخطر الأكبر على دولة الاحتِلال الإسرائيلي وكان من أبرز الموقِّعين عليه البروفيسور ( برنارد لويس ) المفكّر الصهيوني المعروف الذي لم يعترف مطلقا بشرعيّة العِراق كدولة وطالب بتفكيكه وإقامة ثلاث دول على أرضه على أُسسٍ طائفية وعرقية وللتذكير ان الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن كان يتبنى هذا المخطّط ويروج له وقد اعتبر حينها من أشد المتَحمسين لتطبيقه
قبل اكثر من عام نشرت وزارة الخارجية الأمريكية دفعة جديدة من الرسائل الإلكترونية لبريد وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون ومن ضمن هذه الرسائل التي تم نشرها رسائل تعود إلى عام 2002 بين كولن باول وزير الخارجية الراحل آنذاك والرئيس جورج بوش ت محاضر اجتماعات مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بهدف التخطيط لغزو العراق واللافت في الموضوع أن تاريخ الرسائل كان سابق لشن الحرب بنحو عام تقريبا
حيث اعتبر ذلك دليلاً جديداً على المؤامرة التي اشتركت بها القيادتان الأمريكية والبريطانية بهدف تهيئة الأجواء السياسية والظروف الملائمة لغزو العراق وضمان التأييد الشعبي لهذا الغزو كما ابرزت الرسائل بشكل واضح دور توني بلير في هذه المؤامرة واستعداده التام لخلق الأجواء السياسية اللازمة في لندن وأوروبا تمهيداً لإعلان الحرب على العراق بالتوافق مع الخطوات التي تتخذها الإدارة الأمريكية لدق طبول الحرب داخل أمريكا بين شعبها وجيشها
وهذا كله يفسر الحملة الدعائية الضخمة وتهويل موضوع امتلاك العراق أسلحة دمار شامل وصل إلى حد تزوير وتلفيق البراهين والأدلة وانتهى بقرار منفرد لخوض الحرب دون الحصول على موافقة مجلس الأمن نظراً للمعارضة الدولية لتلك الحرب وهذا وحده ( قرار خوض الحرب المنفرد ) كفيل بمحاكمة بوش و بلير بتهمة ارتكاب جرائم حرب لو توافرت الإرادة الدولية لفعل ذلك عدالة وتطبيقا لقرارتها ومواثيقها القانونية
من المهم ان نبين هنا ان العدوان على العِراق لم يقتصر على الغزو والاحتِلال فقط وإنما تجاوز ذلك الى محاولة تدمير ( الهوية العِراقيّة العربية الإسلامية الجامعة ) وتركيع وتجويع الشعب العِراقي وإذلاله وقتل أكثر من مِليونين من خيرة أبنائه ووضعه تحت حكمٍ عميلٍ للغرب وإبعاده كليّا عن محور الصراع وطريق المقاومة وثوابت الأُمة بكل الوسائل لأنه يشكل مقدمة القاطرة لقيادة الأمة وإسقاط مخططات الهيمنة الغربية والأمريكية الإسرائيلية منها تحديدًا
اللافت في الموضوع أن كافة وسائل الإعلام الغربية ودوائر صنع القرار في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا تحدثوا عن قرار الحرب الخاطئ وهم يتلاومون فيما بينهم حتى إن صناعة السينما أنتجت عدة أفلام فضحت مؤامرة الحرب الكاذبة وكشفت تواطؤ القيادة السياسية والإستخباراتية بينما التزمت جميع الدول العربية الصمت المطبق تجاه كافة قراراتها الخاطئة في هذه الحرب وغيرها من القرارات الاستراتيجية المغلوطة التي لا تعد ولا تحصى رغم كل المصائب التي حلت بالعالم العربي نتيجة هذه القرارات الخاطئة أو الساذجة على أقل تقدير لم يتحرك لهم ساكن
اخيرا لقد سقنا في هذا المقال العديد من المواقف والادلة والتحليلات فوق ما قدمه الجندي الامريكي( بريزنر ) وصديقه ( جيب سبراغ ) الداعم لموقفه لكي نثبت للجميع باننا كنا ولا زلنا على قناعةٍ تامة بأن العِراق كان وسيبقى على لائحة الاستِهداف الأمريكي المبرمج بغض النظر عن نظام الحكم فيه
لأن دولة الاحتِلال الإسرائيلي تعتبره رأس حربة للخطر الوجودي الذي يهددها كيانها بسبب إرثه التاريخي الوطني العروبي والإسلامي المشرف وامتِلاك شعبه لجينات العظمة والعنفوان علاوةً على توفّر كل أركان القُوة في ظاهِر أرضه وباطِنها فالماء استراتيجية حروب المستقبل في نهرا ( دِجلة والفُرات ) والنفط في اعماق ارضه باحتِياطات تقدر بأكثر من 200 مِليار برميل مما يفتح شهية وهوس ( المستعمرين الجدد ) نحو العراق ليبقى الفريسة الطريدة من الشرق والغرب
mahdimubarak@gmail.com