حسن محمد الزبن - الإباء والشهامة والنخوة والطيب وصفات أُخرى ممتدة في كل المضارب والدروب.. هي عميقة الجذور في دار الهيبة والعز من كل صوب أردني.. لا يزال صهيل الخيل ووقع خطاها مسموعًا في جنبات الوطن.. لفرسان مؤتة واليرموك.. لفرسان الثورة العربية.. ولا يزال طيف الوجوه السمراء يعتلي سفوح وهضاب عيرا ويرقا والسلط العتيدة.. وساحات أرض الكرامة.. ونستذكر هنا الفارس والقائد مشهور حديثة الجازي.. ونستذكر الأخيار الأوفياء من رجالات الوطن الذين أخلصوا بوفاء.. وهم كثر يعيشون في ذاكرة الأردنيين.. وسيبقى إرث المناقب الشريفة العفيفة الأبية لأصحابها مدويًا وحاضرًا.. وسيبقى الحق فوق الباطل.. وسيبقة فينا جيل يتوالد عن جيل قضى حرًا ابيًا.. فرغم الضيق ظلّ كريمًا وسخيًا حدّ الجود بالروح والمهجة فدوى الوطن.. ليبقى سامقًا وقامة لا تنحني..هؤلاء الذين رحلوا هم نحن ونحن هم وإن توارو تحت الثرى بقداستهم وعشقهم.. ما خانوا الوطن.. وما فكروا للحظة بطعن خواصر الوطن..وما تقدموا أو أقبلوا على موائد الفساد.. ولم يمشوا في ركاب المضاربين والمناكفين على مصلحة الوطن.. ولا صافحت إيديهم المتنفعين من خبايا الوطن..كان قدرهم في كنف الله.. كانوا هم اللذين يذودون ويحمون ويضيؤون الليل بالزيتون..كان في زمانهم القريب الكل ينام والأبواب مشرعة..كان زمانهم آسر.. وطقوسهم لا تعرف الجحود..كانت مواقدهم حكاياتهم نوماس.. هم وسامرهم اليومي حكاية لا تنتهي.. يا ليتنا نتهجأ لغتهم..يا ليتنا في هذا العصر الرقمي ندرك كيف نتعامل مع الألواح الذكية؟.. كيف نتحرر من أسرها؟.. ونعيد للبيوت والحارات والمضارب دفئها والقها وأنفاسها الطيبة.. فجيل اليوم يتبعه جيل آخر ينبض ويشتعل حنينًا للواتس والفيس والماسنجر.. وأصبح كل ما بين أيدينا ليس له بهجة.. لقد غادرنا الأحباب والأصدقاء الحقيقيون.. كانوا بالأمس مثل اليوم.. المعلمون ..والتجار.. والزراع.. والجنود والزنود والحراس للدّار والحدود.. كان العسكر هيبة الدار..هيبة المدن والقرى والبوادي.. كان العسكر عتاد الحمية..
اليوم الشعب يرفض أن يكون صورة باهتة.. أو أن يأطر بهوية.. والهوية واضحة.. ومفصح عنها في الدستور.. وإذا كانت الهوية الوطنية الجامعة لضرورات التأكيد واستمراية البقاء.. أو تشي بأننا مهددون كمكون أردني.. فنقول أننا متوالفون منذ مئة عام.. ونحن أهل العزم.. عصيون على الإقتلاع أو النفي.. لأننا نفضل الموت على أن نتمزق.. أو يصيب نسيجنا الوطني شرخ.. هذا واقعنا مهما ولج في الأفق من أسئلة.. أو رغبة في الحصول على جس نبض.. وإذا توالد في الفكر السياسي شيء جديد.. فإن هناك إنحراف طارىء.. فالمسار التاريخي لم يتطور إلا بوعي.. وإذا كان العزف على وتر مقطوع فتلك من ورائها غاية مغيبة عن أبناء الوطن.. فلا غرابة أن تشتعل ألسنة وأقلام الأردنيين وتتدفق آرائهم المصونة بحرية التعبير.. فمن يأطر ويُنظر أقدامه تفترش النعيم.. أما الشعب ليس مثقلاً فقط..بل غارق بجحيم ما يكتوي به كل يوم من ما هو مغلوب على أمره فيه.. لقد أُثقلت خطواته في الدروب.. وصار ينسحب إليها على وعورتها آنًا..وعلى تحدبها آنًا.. وعلى تقعرها آنًا.. فصار في متاهة كمن هو بين المطرقة والسنديان.. وأصبحت المقولة السائدة على كل لسان " والله إللي في بطن الأرض أرحم من إللي على ظهرها"..هذا وجع.. هذا مكابدة .. وتعبير عن الرغبة بالموت على الحياة.. يجب أن يتنبه له أصحاب القرار ورسم السياسات في الأردن.. ويجب أخذ الرأي الحر الجريء بعين الإعتبار وقراءته .. لا التشكيك في مواطنة صاحبه من حيث الولاء والإنتماء.. فإذا تغافلنا عما يعانيه الوطن.. وما يشعر به الأردني.. فحتمًا سيورث الحاضرون من هم بعدهم ذاكرة تعي ما جرى بحقهم من تجريد لأدنى حقوقهم.. وسيولد حدس مؤجل في ذاكرة جديدة استوعبت الوعي الأبوي الذي يُتقبل بدون علامات إستفهام.. وهذا يفضي للوحة صعب على الحاضرين رسمها لأنها ستُرسم في زمن غير زمنهم..
نتمنى أن ترسم الطموحات بوعي سياسي معمق.. وأن لا نبني عليها أحلام تتبدد وتوجع الأردني.. الذي عرفناه أنه لا يرتكس ولا يجافي..لكنه يفضي بمرارته خشية على الوطن.. فلا جفوة بينه وبين الحكومات..لكنه المناخ المؤقت.. ووقت الخريف الذي يمضي كعادته.. ويحل الربيع بمسار جديد.. ويدوم الصوت النقي الذي تفجر من رحم الأردن المقدس في عصر يضيق به واقع حالنا الذي نعيش.. وسنظل نبحث كل يوم عن لغة عشق.. لعلنا أو أبناؤنا أو أحفادنا يبتكروا لغات من الوفاء والحب والتضحية لأجل هيبة الدار وحضنها الدافء الأردن.. وإذا كانت الأزمات تحاول ثني إرادتنا فنحن قادرين على تبديدها كما كنا نفعل.. وسنبقى على النهج.. ويبقى دومًا وقت للبهجة والاحتفال .. والسؤال..
عاش الأباة ودام الأردن عزيزًا منيعًا..