زاد الاردن الاخباري -
بقلم العين الدكتور رجائي المعشر - مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وضعت مساراً لتطوير الأنموذج الديمقراطي الأردني بحيث يكون للأحزاب دورٌ أكبر في الحياة السياسية الأردنية وصولاً إلى حكومات يشكلها حزب الأكثرية أو ائتلاف الأحزاب على أسس برامجية تعالج المشكلات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي تواجه المملكة.
لا شك أن التجربة بحاجة إلى عوامل عدة لإنجاحها ومنها: القدرة على نشوء أحزاب وطنية في الفترة الزمنية حتى تاريخ إجراء الانتخابات القادمة، وضمان قدرة هذه الأحزاب على وضع برامج اقتصادية واجتماعية ومالية وثقافية لمعالجة قضايا الوطن وقدرتها على إقناع الناخب بأن برنامج هذا الحزب أو ذاك هو الأفضل لتحقيق الأهداف الوطنية.
يدرك المتابع للشأن العام أن التحديات التي تواجه الأردن كثيرة ومعالجتها ليست سهلة وإن كانت ممكنة وفي كثير من الأحيان فإن هذه المعالجات تتطلب قرارات بعيدة كل البعد عن القرارات الشعبوية أو الشعارات الجميلة التي لا تغني ولا تسمن وإن كانت تدغدغ عواطف المواطنين.
على رأس تلك التحديات الاقتصادية التي تواجه الأردن وتحتاج إلى معالجات سريعة في هذه المرحلة هي البطالة، ارتفاع المديونية وخدمة الدين العام، العجز المستمر في الموازنة والذي يتم تمويله من الاقتراض الداخلي والخارجي مما يزيد من أعباء خدمة الدين العام والمديونية، النظام الضريبي الذي يعتمد على الضرائب غير المباشرة مما يؤدي إلى تحمل الطبقات المتوسطة والمحدودة الدخل عبئا أكبر من قدرتها على دفع الضرائب، معيقات الاستثمار، ضعف تنافسية الاقتصاد الوطني بسبب ارتفاع كلف التمويل والنقل وإنتاجية العمالة وسعر الطاقة وخاصة الكهرباء. والإدارة العامة والبيروقراطية وضعف ومحدودية قدرة الحكومة على تمويل الإنفاق الرأسمالي الضروري لتحريك عجلة الاقتصاد الوطني.
أما تحديات البعد الاجتماعي فهي ليست أقل أهمية من التحديات الاقتصادية، فتطوير النظام التعليمي والتعليم العالي والنظام الصحي ومظلة الأمان الاجتماعي ومعالجة نسب الفقر، فكلها تحديات تمس المواطن في حياته اليومية المعيشية وهي من أسباب عدم رضا المواطنين عن أداء الحكومة وعدم ثقة المواطن بالمسؤول الحكومي.
لقد وضعت لجنة تحديث المنظومة السياسية مسارا جديدا لكن نجاحه يعتمد بشكل كبير على قدرة برامج الأحزاب على معالجة التحديات الاقتصادية والمالية والاجتماعية. فعلى هذه الأحزاب أن تدرك أن المواطن الأردني يعي تماماً هذه التحديات لأنه يعيشها أو يعيش آثارها كل يوم ولم يعد بالإمكان لهذه الأحزاب طرح شعارات جميلة بدون مضمون أو أن تكون غير قابلة للتطبيق. فالحزب الذي يرفض الاتفاق مع صندوق النقد الدولي مثلاً عليه أن يضع البديل الذي يؤدي إلى نتائج أفضل مما يحققه الاتفاق مع الصندوق. وتطوير الإدارة العامة يتطلب برنامجاً واضحاً وليس شعاراً يُرفع دون مضمون، وكذلك الحال بالنسبة لجميع التحديات التي تواجهنا.
نحن اليوم في مرحلة إعادة بناء الأحزاب الوطنية بعد فشل تجاربنا السابقة. فالأحزاب التي يقارب عددها خمسين حزباً لم تتمكن إلى الآن من وضع برامج تستقطب الناخبين إليها والبرامج التي اطلعت عليها كلها متشابهة ولا تتضمن معالجات حقيقية لقضايا الوطن.
وأقول بكل صدق إن معالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية تتطلب اتخاذ قرارات غير شعبية وإن كانت ستجد المعارضة من المواطنين. فقد سئم المواطن من وعود الحكومات المتعاقبة بأن هذا الإجراء أو ذاك سيمكننا من تخطي أزماتنا، ولكن ما يحدث فعلا في معظم الأحيان هو عودة الأزمة وبصورة أشد. ذلك لأننا لا نعالج المشكلة، بل نتعامل مع أعراضها وآثارها لفترة قصيرة ثم تعود لتواجهنا بصورة أكبر. وأذكر هنا بأن زيادة ضريبة المبيعات، وقانون ضريبة الدخل وتعويم أسعار المحروقات وإلغاء دعم الخبز ثم العودة إليه والحديث المستمر عن التأمين الصحي الشامل وتعديلات قانون الاستثمار ومعظم الإجراءات الأخرى لم تصل بنا إلى حل للأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي نعاني منها.
والسؤال الآن هل نستطيع الانتظار لمدة ثلاث سنوات إلى حين ظهور أحزاب برامجية حقيقية قادرة على وضع الحلول لهذه التحديات. وهل يمكن أن يحصل أي حزب برامجي على أصوات الناخبين إذا طرح الحلول الصعبة المطلوبة لمعالجة هذه التحديات؟
أرى أن نجاح تجربة تطوير الأنموذج الديمقراطي الذي حددته اللجنة الملكية يحتاج إعدادا واقعيا جادا له. وفي رأيي تكون البداية بوضع نهج جديد في إدارة الحكومة للملفات الصعبة التي بينتها سابقاً، وأقترح في هذا المجال وضع خطة وطنية للتنمية الاقتصادية تقوم على إعدادها لجنة توجيهية عليا تشارك فيها الحكومة ومؤسسات القطاع العام ومؤسسات المجتمع المدني ومختصون في المالية العامة والاقتصاد، وتكون مهامها:
1– وضع الأهداف الكلية للاقتصاد الوطني.
2– مواءمة الأهداف القطاعية مع الأهداف الكلية.
3– مراجعة عمل اللجان القطاعية للتأكد مع انسجام عملها مع الأهداف العامة.
4– مناقشة الأولويات القطاعية من منطلق قدرتها على تحقيق الأهداف المرجوة ضمن الإمكانات المالية المتاحة.
ويتم أيضاً تشكيل لجان قطاعية من القطاع العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني وتكون مهامها: -
1– وضع الأهداف القطاعية المنسجمة مع الأهداف الوطنية.
2– اقتراح الإجراءات التنظيمية اللازمة لتطوير عمل القطاع.
3- اقتراح التشريعات الجديدة أو التعديل على التشريعات القائمة لإيجاد البيئة التشريعية الميسرة للعمل في كل قطاع.
4– تحديد مشاريع البنية التحتية اللازمة لخدمة القطاع ونمائه.
5– تحديد حجم الاستثمار المستهدف من القطاع الخاص وخطة التحفيز اللازمة لذلك.
وأخيراً إنشاء وحدة تقييم ومتابعة تكون مهامها متابعة تنفيذ الخطة الوطنية ومدى تحقيقها للمؤشرات الموضوعة وتقييم أداء المؤسسات العاملة على تنفيذ هذه الخطة وتزويد اللجنة العليا بالمعلومات اللازمة لمراجعة الخطة الوطنية وتحديثها على ضوء الإنجاز الفعلي الذي تحقق.
إن هذه الخطة الوطنية ستكون أنموذجاً يحتذى به للبرامج المتوقعة من الأحزاب تقديمها للناخبين وإن اختلفت آليات الوصول إلى الأهداف الوطنية بين حزب وآخر. وهنا يستطيع الناخب أن يقيم الأحزاب على أساس برامجها ومدى واقعية هذه البرامج وقدرتها على تحقيق الأهداف الوطنية، كما يتم تقييم البرنامج الحزبي من منظور مرشحي الحزب من حيث مؤهلاتهم، خبراتهم، معرفتهم وقدرتهم على التنفيذ.
عندما طرح جلالة الملك المعظم حفظه الله أوراقه النقاشية توافقنا جميعاً على أنها تعكس الصورة الفضلى للنموذج الديمقراطي الأردني وقد حثنا جلالته في كل المناسبات على ضرورة قيام أحزاب تمثل منابر ثلاثة هي اليمين واليسار والوسط، وجاء تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية خطوة مهمة في هذا الاتجاه، واعتقد أن علينا الارتقاء بأدائنا لتحقيق رؤى جلالة الملك في بناء صرح الديمقراطية الأردنية.
إن ما قدمته هنا قد يشكل إحدى وسائل تطوير الأداء من أجل الوصول إلى برامج حزبية تعالج قضايا الوطن على أسس علمية وواقعية بعيدة عن الشعارات الفضفاضة والصياغات الخطابية الساعية إلى كسب الشعبوية، بل تعمل على تحقيق أداء متوازن يخدم المصلحة الوطنية العليا ويحميها.