صادم ومؤلم ألا تجد الحكومة حلولا فاعلة لأزمة المياه والجفاف سوى اللجوء لصلاة الاستسقاء.
وخطير ومُحبط أكثر إعطاء الانطباع للجمهور والرأي العام أن جفاف السدود كان مفاجئا، في وقت يعرف الجميع أن الأردن ثاني أفقر دولة مائيا في العالم.
على هذه الحكومة، والحكومات السابقة أن تعترف أنها فشلت في التعامل مع تحديات المياه الخطيرة، وأن الأزمات كانت تتفاقم كل يوم، دون وضع حلول استراتيجية وإعطائها الأولوية.
النتيجة اليوم حسب رأي المسؤولين والخبراء أن الأردن يعيش أسوأ حالة جفاف في تاريخه، وهذا يعود لتغير مناخي في السنوات الماضية، تسبب في تراجع واضح في نسبة الهطل المطري، وانخفاض كبير في مخزون المياه الجوفية، وتضاؤل في مستوى المسطحات المائية.
هذه المعطيات ليست عارضة وطارئة في البلاد، وإعلان حالة الطوارئ المائية الآن خطوة مطلوبة، ولكنها متأخرة، فالناس لن تنسى ما قاله وزير مياه أسبق إن 5 شخصيات نافذة تسرق 8 ملايين متر مكعب من المياه كل سنة، والسؤال بعد هذه التصريحات، ماذا فعلنا؟
لست خبيرا مائيا، ومع ذلك أعرف أن البحر الميت ينخفض سنويا أكثر من متر، وأعرف أن حصة الفرد من المياه في الأردن كانت قبل عقود مئات أضعاف ما يحصل عليه الآن، وأعلم يقينا بأن إسرائيل سرقت مياهنا في وضح النهار، والآن نتسول ونشتري المياه منها، وكذلك سورية لا تعترف بحقوقنا المائية المتفق عليها.
غريب حالة الذهول والصدمة، والتقاط الصور للسدود الفارغة، وكأن الحكومة لا تعرف أن فاقد مياه الشبكات لا يقل عن 40 بالمائة منذ عقود، هذا عدا عن السرقات سواء بكسر الخطوط الرئيسة، أو بالضخ الجائر للمياه الجوفية، وإذا ما سألت أي أردني يُخبرك ويقودك إلى مناطق تُسيطر بشكل مخالف للقانون على المياه الجوفية، وتعتبر مصدر ثراء غير مشروع لهم؟
لست خبيرا في الزراعة أيضا، ولكن أعرف أن كلفة ما يستهلكه الكثير من المحاصيل والمنتجات الزراعية من مياه أعلى بكثير من سعر بيعها، ومن الأمثلة التي تُعطى لذلك البندورة، والموز.
تأخرنا كثيرا حتى أنجزنا مشروع مياه الديسي، وما نزال ننتظر بشغف أن يرى مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر الأحمر النور حتى ينقذ البلاد من الجفاف والعطش، والمعلومات الأولية أنه سينتهي في منتصف 2026، أي بعد 5 سنوات.
كل عام نواجه عجزا مائيا يُقدر بـ500 مليون م/ مكعب، وهذه الأرقام قابلة للزيادة، ومع ذلك فإن سلوك الحكومة في بناء منظومة مشاريع استراتيجية متكاملة لقطاع المياه والزراعة والبيئة مُرتبكة، وليست واضحة، ولا تأخذ صفة الأولوية.
وسلوك الناس لا يقل ضررا عن سلوك الحكومات، فهم لا يشعرون بأن المياه ثروة لا يجوز تبديدها، ولا يلجأون رغم كل حملات التوعية لاستخدام تقنيات المياه الموفرة في الاستخدام المنزلي، وبالتأكيد في الزراعة.
لا يملك الأردن ترف الوقت للإبطاء، أو تأجيل التعامل مع تحديات المياه، والتغير المناخي، والحكومة مطالبة بالأفعال وليس الكلام بتشجيع الاقتصاد الأخضر، والاعتماد على الطاقة البديلة، والتوسع في مشاريع الحصاد المائي، وتشجيع الزراعات النوعية، وحماية ما تبقى من أحراج، وزيادة رقعتها.
كل دول العالم أفضل منا في التخضير والتشجير، ويكفي شعورنا بالألم ونحن نرى صحراء قاحلة على جانبي الطريق من المطار وحتى العقبة.