لقد عانى المغفور له الملك الحسين بن طلال من مرض السرطان لسنوات عديدة ، حتى توفّاه الله في السابع من شهر شباط عام 1999 ، وقد شهدتْ عمان يوم تشييعه أكبر تجمع للزعماء والمسئولين في العالم ، وفي ذلك اليوم العصيب كنتُ مناوباً في الإذاعة الأردنية الموجّهة ، وبينما كان الزملاء يجهشون بالبكاء بحرقة شديدة لوفاة الملك المحبوب ، وصل الإذاعة بيان النعي الرسمي من الديوان الملكي الذي طلب إذاعته على الفور ، ولم يكن بمقدور المذيعين قراءته لشدة حزنهم .
وهنا تمالكتُ أعصابي فأخذتُ البيان ودخلتُ الى الإستوديو ، وأومأتُ الى زميلي مهندس الصوت بجاهزيتي لقراءته ، فيما كان المذيعون خلف الحاجز الزجاجي يتابعونني ويخشون ارتباكي على الهواء وتلعثمي بقراءة الخبر ، حيث اعتبر كلّ واحد منهم قراءة ذلك البيان مغامرة صعبة على خلاف النشرات الإخبارية المعتادة .
وعلى الرغم من محاولات تهدئة نفسي إلّا أن الحدث كان مؤثراً ، فبدأتُ بقراءة البيان بنبرة حزينة وبصوت خافت ومخنوق ، وكنت أخشى عند قراءة كل فقرة في البيان من تلعثم الحروف واحتباسها في الحلق ، أو حدوث عارض مفاجئ لي لهول الصدمة ، وبعد انتهائي من إذاعة البيان المتبوع بألحان حزينة ، طلب منّي رئيس الإذاعة الموجهة أن أبقى في الاستوديو لثلاث ساعات متواصلة ، لارتجال فقرات رثائية على الهواء مباشرة ، فكنتُ أكتبُ العبارات وأذيعها بصوت مخنوق بين الفواصل الموسيقية الهادئة ، فكانت تلك الساعات من أصعب ما واجهتُ في عملي الإذاعي .
واليوم ونحن نستذكر في يوم ميلاد الحسين الباني ، مسيرة حياة حافلة بالعطاء والإنجاز، خاضها المغفور له إلى جانب أبناء شعبه الوفي لبناء الوطن وإعلاء شأنه ، فإننا نتطلع بفخر وأمل إلى إنجازات جلالة الملك عبدالله الثاني ، الذي لا زال يسير على نهج والده في استكمال المسيرة بكل حزم وعزيمة .