كما عهدنا دائماً مع بداية موسم الخير وسقوط المطر، وتأخير عقارب الساعة و ليلُ طويل نقضيه حول المدافئ بالسهرات والتعاليل ومع صوت الرعد وزخات المطر وفقاعات البرق التي تُشع من شبابيك الغرف... وتسخين الخبز والزيت البلدي الجديد (عصر السنة) وبريق الشاي الثقيل القاطن فوق المدفئة (خاصة عندما تكون صوبة حطب أو بواري) والذي لا يغادر الصوبة حتى نهاية السهرة، و يجدد كلما جاء ودخل ضيف جديد ... وترى الفعاليات الغذائية في الشتاء تكثر وتزداد، من حلويات (هريسة وعقال الشايب ورز مع حليب ) وشواء البصل والبطاطا والكستنة على الصوبة بالإضافة للمكسرات والتسالي عدا عن وجبة العشاء التي تتكرر أكثر من مرة بالسهرة بسبب الليل الطويل ...
لكن الشيء الطريف في الموضوع هو عندما تنتشر بداية كل شتاء ظاهرة انتشار الضبع والغوله بالقرية ، فتبدأ السولافة من عند أم فلان عندما تقول لأبنائها الشباب من باب الخوف عليهم من البرد والليل ومن أجل أن يبقوا في البيت ، تقول لهم : أسمعت انه الحاج أبو خليل أمبارح بالليل لما رَوّح من الدكان شاف ضبع بحارتنا ... وبالتواتر ونقل الكلام تصل هذه المعلومة لجميع أهل القرية حتى أنها تصل لأبو خليل ويصدقها ... وتعود الحكاية لأم فلان (اللي طلعتها مشان تخوف أولادها) لكن بصيغة مختلفة وبحارة أخرى فتصدقها هي الأخرى ... فيكون الليل مخيف وقلقل لمن أراد الخروج لقضاء حوائجه فترى السكون والصمت يخيم على البلدة من بعد صلاة العشاء وترى الشوارع فارغة ومخيفة ، وفي صلاة الفجر يكون المصلين مُسلحّين إما بمسدس أو شبريه أو قنوه خوفاً من أن يصادفهم الضبع أو الغوله ...
نقول: لقد كان فصل الشتاء سابقاً جميلاً ورائعاً وله رونق خاص، خاصة عندما تجتمع العائلة حول المدفئة وتنقطع الكهرباء ، والذي يزيدها جمالاً وجود الوالدين لتشعر بالأمان والدفء الحقيقي ... أما اليوم فقد أختلف كل شي خاصة مع ارتفاع المشتقات النفطية فتجد كل واحد ملتحف بغطاء ومعه التلفون شغال على الواتس أو الفيس بك والكونديشن فوق رأسه ... حتى أن هذا الجيل مش قاطع معه انتشار ضبع أو غوله بالليل ولا حتى المرأة الطويلة خايفين منها ودائماً منتشرين بالشوارع بعز البرد ولوجه الصبح لما يرجعوا على الدار ...مع إنه من يومين في واحد شايف ضبع بشارع الصايدين الشرقي متجه باتجاه المحاريب...