زاد الاردن الاخباري -
تناقلت وسائل الاعلام مؤخرا، نبأ وفاة انشراح موسى ، الجاسوسة الشهيرة التي عملت لصالح الموساد خلال حرب 1967، وتسببت احدى وشاياتها بمقتل الفريق عبد المنعم رياض، أحد أبرز قادة الجيش المصري في القرن العشرين.
انشراح موسى ، أو دينا حاييم كما بات اسمها لاحقا، توفيت في تل أبيب عن عمر يناهز 87 عاما بعد صراع طويل مع مرض الاكتئاب، وجرى دفنا وفقا لتعاليم الديانة اليهودية التي اعتنقتها بعد تخليها عن الاسلام.
تم القبض عليها عام 1974 بتهمة التجسس لصالح إسرائيل وحُكم عليها بالإعدام، ولكن تم الإفراج عنها بعد ثلاث سنوات قضتها في السجن في صفقة تبادل أسرى، وتمكنت من دخول إسرائيل مع أولادها الثلاثة.
وقد تحولت قصة انشراح موسى إلى مسلسل تلفزيوني في التسعينات باسم "السقوط في بئر سبع"
ولعل من ابرز نتائج اعمالها التجسسية انها تسببت في قتل الفريق عبد المنعم رياض، بعدما كشفت للجيش الإسرائيلي عن موقع وموعد وصوله إلى الجبهة المصرية يوم 9 مارس 1969.
وتعرض عبد المنعم رياض، أثناء وجوده في الخطوط الأمامية للجبهة أثناء حرب الاستنزاف لهجوم مدفعي إسرائيلي مفاجئ وإطلاق النيران والقذائف، حتى أُصيب، وفارق الحياة قبل نقله إلى المستشفى.
وتواصلت الجاسوسة انشراح موسى، التي كانت انضمت هي وزوجها وأبناؤها الثلاثة للعدو الإسرائيلي بمحض إرادتهم، ووشت بموعد وصول الجنرال الذهبي إلى مقر الجبهة.
وقامت المخابرات العامة المصرية عام 1974 بالقبض على الجاسوسة انشراح موسى وزوجها وأبنائها، وتم الحكم على زوجها فقط بالإعدام.
أما انشراح موسى نفسها فتم مبادلتها هي وأبناؤها الثلاثة ببعض الأسرى المصريين لدى إسرائيل، في صفقة تبادل أسرى وضعها الرئيس الراحل محمد أنور السادات مع إسرائيل التي كانت تتعهد آنذاك بتوفير الملاذ الآمن لكل من ينفضح أمره ممن يعملون لصالحها.
انشراح موسى وبداية رحلة الجاسوسية
وتعود جذور انشراح موسى المولودة عام 1937 إلى محافظة المنيا في صعيد مصر، وكانت متزوجة من إبراهيم سعيد شاهين الذي تم اعدامه عام 1977 بعد ادانته بالتجسس، ولهما ثلاثة اولاد هم: نبيل ومحمد وعادل.
بداية قصتها مع التجسس لصالح الموساد الاسرائيلي كانت عام 1966، عندما كانت حياتها رأسًا على عقب بعد حبس زوجها إبراهيم، وهو من مواليد العريش عام 1929م)، والذي كان يعمل بمكتب مديرية العريش في قضية رشوة لمدة ثلاثة شهور.
فبعد خروجه من السجن وقتذاك لم يجد عملاً، واستمر على تلك الحال حتى قامت إسرائيل باحتلال سيناء في يونيو 1967م، حيث وجده "الموساد" مؤهلاً لخيانة بلده، وبالفعل وافق على التعاون معها.
واستطاعت المخابرات الإسرائيلية بالتعاون مع الصليب الأحمر نقل انشراح وإبراهيم إلى القاهرة عام 1967، حيث منحتهما الحكومة المصرية سكنًا مجانيًا مؤقتًا بحي المطرية، وأعيد إلى عمله مجددًا.
وبعد ذلك انتقل إلى حي الأميرية، ومن هنا بدأ يعمل على جمع المعلومات وكانت زوجته انشراح تساعده بتهيئة الجو الأمني والكتابة هي الأخرى بالحبر السري، واتخذا من نشاطهما في تجارة الملابس والأدوات الكهربائية ستارًا لعملهما وحتى يكون ذلك مبررًا لثرائهما.
دورات في إسرائيل
في عام 1968م سافر الزوجان إلى لبنان ومنها توجها إلى روما حيث التقيا هناك بمندوب "الموساد" الذي سلمهما وثيقتي سفر إسرائيلية باسم موسى عمر ودينا عمر. وتوجها إلى إسرائيل حيث خضعا لدورات تدريبية مكثفة في تحديد أنواع الطائرات والأسلحة والتصوير الفوتوغرافي وجمع المعلومات. وتم منح إبراهيم رتبة عقيد في الجيش الإسرائيلي، فيما منحت انشراح رتبة ملازم أول.
وبعد نزولها بفترة إلى مصر توسعت تجارتهما وانتقلا إلى مصر الجديدة وتعرفا على أصدقاء من الجيش وطيارين ثم بدأ أولادهما الثلاثة للعمل معهم كجواسيس يجلبون المعلومات من زملائهم أبناء الضباط في المدرسة والشارع.
في عام 1972م، سافرت انشراح لروما وتقابلت هناك مع أبو يعقوب أحد ضباط "الموساد" وطلبت منه الاعتزال بعد أن شاهدت تنفيذ الإعدام في جواسيس في التليفزيون فوعدها بعرض الأمر على الرئاسة في تل أبيب، ثم تراجعت عن قرارها.
وبعد حرب أكتوبر 1973م سافر إبراهيم إلى أثينا ومنها إلى إسرائيل، وفي مبنى المخابرات الإسرائيلية سألوه عن الأحداث التي تمت خلال الحرب. وسلموه بعد ذلك أحدث جهاز إرسال لاسلكي في العالم يتعدى ثمنه مائة ألف دولار، فقد كان لهم مخاوف من الفريق سعد الدين الشاذلي الذي كان يريد تصعيد الحرب.
وتم تدريب إبراهيم لثلاثة أيام على كيفية استخدام الجهاز وعندما تخوف من حمله للقاهرة عرضوا عليه أن يذهب إلى الكيلو 108 طريق القاهرة السويس وهناك سيجد فنطاس مياه مثقوب وغير صالح للاستخدام. وخلفه جدار أسمنتي مهدم وعليه أن يحفر في منتصفه لمسافة نصف المتر ليجد الجهاز مدفونًا. ووعدته إسرائيل أن تمنحه مكافأة مليون دولار إذا أرسل لهم عن ميعاد حرب قادمة.
سقوط انشراح موسى
وأثناء وجود انشراح بإسرائيل وقتذاك، استطاعت المخابرات المصرية التقاط ذبذبات الجهاز بواسطة اختراع سوفيتي اسمه صائد الموجات. وكان إبراهيم يقوم وقتها بالإرسال من شقة قديمة بالأميرية، ومشط رجال المخابرات المصرية تلك المنطقة بالكامل بحثاً عن الجاسوس، ومع محاولة الإرسال ثانية أمكن الوصول إلى مكانه.
في فجر يوم الخامس من أغسطس عام 1974م كانت قوة من جهاز المخابرات تقف على رأس إبراهيم النائم في سريره واصطحبوه إلى جهاز المخابرات وبقت قوة من رجال المخابرات في المنزل مع أولاده الثلاثة تنتظر وصول انشراح.
وفي 24 من الشهر ذاته، وصلت انشراح إلى القاهرة وعندما فتحت الباب وجدت من يمسك بحقيبة يدها ويخرج منها مفتاحين لجهاز اللاسلكي. وفي 25 نوفمبر من العام نفسه صدر الحكم بإعدام انشراح وزوجها إبراهيم والسجن خمس سنوات لابنهما نبيل وتحويل عادل ومحمد إلى محكمة الأحداث.
وفي 16 يناير 1977م تم تنفيذ حكم الإعدام في إبراهيم، أما انشراح فقد ترددت أنباء عن شنقها. لكن في 26 نوفمبر 1989م كشفت صحيفة "حداشوت" الإسرائيلية عن عدم إعدامها وأن هناك ضغوطًا مورست على الرئيس السادات لتأجيل تنفيذ الحكم بأمر شخصي منه ثم صدر عفو رئاسي عنها، وتمكنت لاحقًا من دخول إسرائيل مع أولادها، حيث حصلت على الجنسية الإسرائيلية واعتنقوا الديانة اليهودية. وبدلوا اسم شاهين والدهم إلى بن ديفيد وانشراح إلى دينا وعادل إلى راضي ونبيل إلى يوسي ومحمد إلى حاييم. وهناك لم تجد سوى الحمامات العامة لتعمل بها عاملة نظافة ثم طاهية في المطاعم.