زاد الاردن الاخباري -
كتب .. الفريق موسى العدوان - في الثامن والعشرين من شهر نوفمبر / تشرين ثاني من كل عام يستذكر الأردنيون شهيد_الوطن وصفي التل. وبمثل هذه المناسبة اعتاد السياسون و الكتاب و الشعراء، إحياء ذكراه بكلمات وقصائد تجسّد مآثر وإنجازات هذا الرمز الوطني، تجاه الأردن وفلسطين.
ففي ذكرى استشهاده الخمسين أرغب ربط الماضي بالحاضر بصورة مختصرة، ليعرف الذين لم يعاصروه كيف كنا خلال حياته، وكيف أصبحنا بعد نصف قرن من استشهاده.
قال تعالى في محكم كتابه ” ولا تحسبنَّ الذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتاً بل أحياءٌ عند ربِّهم يرزقون “. صدق الله العظيم. وانطلاقا من هذه الآية الكريمة، التي تخبرنا بأن الشهيد حي يرزق، أجدني مدفوعا بإحساس ذاتي، لمخاطبة دولة رئيس الوزراء الأسبق وصفي التل مباشرة دون الوساطات.
#دولة_الرئيس_وصفي_التل_الأفخم
نعلم جيدا أنك تركت التعليم في مدرسة السلط الثانوية عام 1942، والتحقت بجيش الإنقاذ الفلسطيني ثم بجيش الإنقاذ السوري، وشاركت في حرب عام 1948، مقاتلا ضد العصابات الصهيونية دفاعا عن فاسطين. وبعد انتهاء الحرب بنتائجها السلبية المعروفة، عملت موظفا في الحكومة الأردنية، وشكلت في وقت لاحق خمس حكومات أردنية بأوقات مختلفة، كانت أولاها في عام 1962، قمت خلالها بإنجاز النواحي الرئيسية التالية :
إصلاح الجهاز الإداري، رفع سوية الأداء الوظيفي، القضاء على الرشوة والمحسوبية، إقامة المعسكرات الصيفية للشباب، إشراك القوات المسلحة في شق الطرق وحفر الآبار الإرتوازية، تمديد أنابيب المياه في المدن والقرى، نصحت بعدم دخول الأردن في حرب حزيران لحين اتضاح صورة الموقف، ولكن لم يؤخذ به تجنبا للاتهام. كما شاركت في إنقاذ الأردن من حرب أهلية، كادت أن تقوض الأردن وتمزق وحدته.
لقد كنت تدعو إلى تحويل المجتمع إلى مجتمع حرب، يساهم كل مواطن فيه في معركة السلاح إو في معركة الإنتاج. وبينت سياستك في الحكم قائلا :
” إن المواطن الذي يعيش في أمن حقيقي، هو وحده الذي يعرف كيف يموت بشجاعة في سبيل بلده. أما المواطن الذي يعيش في الخوف والرعب والفوضى، فهو لا يملك شيئا يعطيه لا لبلده ولا لأحد من الناس. ومن غير النظام والقانون لا يمكن لأي مجتمع في هذا العالم، أن يوفر لمواطنيه أمنا حقيقيا “.
لقد آمنت بأن تحرير الأرض المغتصبة لا يتم إلاّ بالقتال، ولهذا دعوت إلى قيام حرب عصابات، مع استعدادك للعمل مجموعة منها في شمال فلسطين. ودعوت أيضا إلى إعداد قوة عربية مشتركة، قادرة على تحرير الأرض المغتصبة. فحملت خطة لتحرير فلسطين إلى اجتماع وزراء الدفاع العرب في القاهرة. ولكن يد الغدر والخيانة أمتدت إليك في أرض الكنانة، لتفسد تلك الخطة وتجهز على القضية الفلسطينية في مهدها.
في زيارتك الافتراضية إلينا قبل سنوات دولة الرئيس، لم يرقْ لك ما شاهدت من خطايا بحق الوطن، مما دفعك للعودة مسرعا إلى مستقرك. وقد عبّر عن تلك الزيارة الشاعر حيدر محمود في قصيدة طويلة، اخترت منها الأبيات التالية :
قد عاد من موته وصفي ليسألني * * هل ما يزال على عهدي به وطني؟
ولم يقل إذ رأى دمعي يغالبنــتي * * ألا كفــى وأعيدونــي إلـى كفنــــي
فباطـــن الأرض للأحــرار أكـرم من * * كل الذي فوق الأرض من عفـــــنِ
هذا حمـانـا ونـحن العاشــقون لـه * * وأنت في كل قلب غير مرتهــــــن
يا خال عمار صار الناس مزرعة * * للمــارقيـن وباتـــوا هم بــلا سـكن
* * *
دولة الرئيس الأكرم.
لا أرغب بأن أحمّلك عناء زيارتك الافتراضية الثانية إلينا، لأنني سألخص لك جانبا من المشهد العام الذي وصلنا إليه هذه الأيام، بعد أن افتقدناك منذ خمسين عاما :
ازدادت عمالة الدول العربية للعدو الصهيوني، عما عهدته بها في العقود السابقة، فأصبحت تتسابق اليوم على من يحظى برضا صديقها الجديد والتطبيع معه، فاتحين الأبواب ومرحبين بمسؤوليهم، مهتدين باتفاقية ” سلام إيراهيم ” المزعومة، واعتبارهم من أهل الدار أينما حلّوا.
خطوط سكة الحديد الإسرائيلية، ستخترق الأردن من غربه إلى شرقه مارة في المفرق، بجوار معسكر أسرى اليهود في معارك باب الواد عام 1948، لتصل إلى دول الخليج.
الغاز الفلسطيني المسروق من قبل العدو، يدخل في كل بيت أردني، ويشغّل بعض المؤسسات والمصانع العاملة على هذه المادة، ولا نعلم متى يصلنا ومتى يُقطع عنّا.
التنسيق الأمني والعسكري والتمارين المشتركة في البر والبحر والجو، تجري على قدم وساق، بين مختلف الدول العربية وإسرائيل، دون احترام للشهداء الذين قدموا أرواحهم دفاعا عن أوطانهم، خلال الحروب الماضية مع هذا العدو.
الأرض التي كنت تحرثها في منطقة الأزرق، وبقية الأراضي الأردنية الأخرى التي كنت تزورها وأنت ترتدي بذلة الفوتيك، أصبحت مثقلة بالقواعد العسكرية الأجنبية، والتي بلغ عددها حتى الآن 12 قاعدة عسكرية جوية وبرية وبحرية، تدخل إليها وتخرج منها القوات الأجنبية، دون سيطرة أردنية عليها، وحتى دون دفع بدل إيجارلاستخدامها على الأقل، إذا كنا مكرهين على تقديمها لهم.
مبنى القيادة العامة في العبدلي، الذي كنت تجتمع فيه مع المشير حابس المجالي – رحمه الله – لرسم الخطط العسكرية والأمنية دفاعا عن الأردن، جرى تدميره في رابعة النهار، دون اعتبار لتاريخه ورمزيته الوطنية، واستبدلناه بالمقاهي والمطاعم، وانتقلت القيادة العامة إلى أحد الأودية في أطراف عمان.
مديونية الدولة وصلت إلى ما يقارب 40 مليار دينار، وما زال الرقم يتزايد سنة بعد أخرى، دون أن ينخفض أو يقف عند حد.
مؤسسات الدولة الإنتاجية، التي كانت ترفد الخزينة بالمال تمت خصخصتها وبيعها دون مردود على الخزينة، وأصبحنا ننتظر المنح والمساعدات الخارجية من المحسنين.
المؤسسات الرسمية الموازية للوزارات، والتي يبلغ عددها حوالي 60 مؤسسة تكلف الدولة مبالغ بالمليارات دون حاجة ماسة لها، إذ يمكن للوزارات نفسها أن تقوم بعملها.
الحكومات أصبحت تتألف من حوالي 30 وزيرا، ومجلس النواب يصل عدد أعضائه إلى 130 عضوا، دون ظهور عمل نوعي يبرر ذلك، ويمكن اختصار الأعداد إلى النصف، في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة.
المناطق الصحراوية في الجنوب، ستصبح قريبا مزارع للطاقة الشمسية وتوليد الكهرباء، نقدمها لإسرائيل كي تتمكن من تشغيل مصانع الأسلحة والطائرات ودعم اقتصادها، مقابل تزويدنا بالمياه التي لا نعلم إن كانت صالحة للشرب أم ملوثة، كما حدث في وقت سابق، ولا نعلم متى تصلنا ومتى تُقطع عنا.
وفي هذه العجالة، لن أتحدث عن الفقر والبطالة، سعي الشباب للهجرة، هروب الاستثمار المحلي، عزوف الاستثمار الأجنبي، آفة المخدرات، مشاكل الزراعة والتجارة والصناعة والنقل. التعليم، الصحة، الوزراء الذين يهبطون علينا بالبراشوت، توريث المناصب، وسوء الإدارة الذي نلمسه في عمل الحكومات بين حين وآخر، فهذا حديث يطول ويحمل شجونا كثيرة قد تكون بلا نهاية.
سيدي دولة الرئيس وصفي التل.
لخّصت لك بأعلاه بعض الأحوال التي نعيشها هذه الأيام، وهكذا ترى بأننا قد فقدنا سيادتنا على أرضنا وقرارنا، ورهنا مصيرنا وأمننا الوطني بيد العدو، ليجهز علينا وعلى أجيالنا اللاحقة في أي لحظة يقررها مستقبلا، دون أن نحرك ساكنا، بل أننا نساهم في صنع هذه الحالة المحزنة.
ختاما أقول : رحم الله الشهيد وصفي التل وجميع الشهداء، الذين قضوا في سبيل الدفاع عن أوطانهم، ولكن ذهبت اليوم دماؤهم هدرا بلا ثمن . . !
التاريخ : 27 / 11 / 2021