قبل أن يشرع مجلس النواب في مناقشة التعديلات الدستورية، وقانوني الانتخاب والأحزاب في سياق التبشير بخطوات للإصلاح السياسي، كشرت السلطة عن أنيابها، وقامت باعتقال وتوقيف نشطاء وطلاب احتجوا بشكل سلمي على ما سُمي باتفاقية النوايا «الماء مقابل الكهرباء» الذي وقعته الحكومة مع إسرائيل برعاية إماراتية أميركية.
الوعود التي ترافقت مع تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية باعتبارها خطوة لترسيخ المسار الديمقراطي يظهر عدم جديتها في أول اختبار، ولا يتسع صدر الحكومة لاحتجاجات سلمية تُعبر عن رفض المجتمع لربط مصير الأردن، وأمنه الاستراتيجي في قضايا الطاقة، والمياه باتفاقيات مع إسرائيل.
إذا كانت الحكومة ترفض كفالة حق الناس في التعبير والاحتجاج السلمي، فكيف سيصدق الناس بعد اليوم أن هناك جدية وصدقا في إنجاز إصلاح سياسي، وسعيا إلى حكومات حزبية برلمانية؟
الحكومة مرتبكة، وبوصلتها تائهة، وتتعمد ألا تُكاشف المجتمع في قضايا تمس أمنه مثل توقيع خطاب نوايا للتباحث في مبادلة الكهرباء مقابل الماء مع إسرائيل، والأخطر أنها لا تسمع صوت الناس، ولا تضع في حساباتها مواقفهم، ولو كانت تسمع، وتصغي، لأدركت بفصيح العبارة أن الأردنيين والأردنيات ما يزالون يقولون أن «غاز العدو احتلال»، رفضا لاتفاقية استيراد الغاز من إسرائيل، فكيف يُعقل أن نذهب مجددا للتفاوض على صفقة لإعطاء الكهرباء مقابل الماء مع محتل غاصب يهددنا ليلاً نهاراً.
تتجاهل الحكومة الشعب حين تذهب لهذه الاتفاقيات المذلة، وتتصرف سياسيا بمعزل عن مجلس النواب، والأسوأ من ذلك أنها تعصف بالحقوق والحريات، لإسكات الرافضين لنهجها.
الحقوق والحريات بالأردن في خطر، وهذه هي حقيقة ما يجري على أرض الواقع، ولا يفيد الكلام التجميلي، وفي الأسابيع المقبلة ستتراجع أكثر وأكثر مؤشرات الأردن في التقارير الدولية لحقوق الإنسان.
الحريات والحقوق في خطر حين تقرر سلطات الأمن اعتقال محتجين سلميين لا يشكلون خطرا على أمن البلد، ويمتد الأمر إلى ملاحقة طلاب وطالبات في الجامعات عبروا عن موقفهم الرافض لاتفاقية النوايا مع إسرائيل، ويتعرضون للتهديد بالفصل من الجامعة، في وقت تتغنى فيه اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية بأنها تريد ضمان حق الشباب في العمل الحزبي والسياسي بالجامعات.
تهدر الحكومة الحقوق والحريات، فالتوقيف للمحتجين لا يتم بأمر قضائي، وإنما يستخدم الحكام الإداريون قانون منع الجرائم العرفي بامتياز لاحتجاز حريتهم، وتتردد معلومات عن تعرض بعضهم للضرب، والمعاملة المهينة، وكلها تعتبر بالمعايير الدولية شكلا من أشكال التعذيب، وإمعانا في إساءة معاملتهم، وإرباكا لعائلاتهم لأنهم يودعون في سجون تبعد عن أماكن سكنهم، ويربط إخلاء سبيلهم بكفالات مالية قد لا يستطيع ذووهم توفيرها.
المركز الوطني لحقوق الإنسان كان واضحا في إدانة ما تعرض له المحتجون، مطالبا الحكومة بإعادة النظر بسياساتها في التعامل مع الوقفات الاحتجاجية استنادا للمعاير الدولية لحقوق الإنسان.
وذكر المركز الوطني لحقوق الانسان أن حرية التعبير والتجمع السلمي يعدان الركيزة الأساسية لبناء مجتمع ديمقراطي قائم على المشاركة في الحياة العامة.
تعرف الحكومة أنها باعتقال المحتجين تخرق الدستور، وتخل بالتزاماتها تجاه الحقوق الواردة في المعاهدات والاتفاقيات المصادقة عليها، وقبل كل ذلك تدرك أنها بهذه التدابير والإجراءات تدفع البلاد لمزيد من الاحتقان السياسي، وتفقد الناس الثقة بكل الشعارات التي تتحدث عن الإصلاح السياسي.
عارض مجلس النواب في مذكرة وقعها اتفاقية النوايا مع إسرائيل، ورفض توقيف المحتجين مطالبا بإخلاء سبيلهم، وبصراحة لا يراهن المجتمع على البرلمان لوأد هذه الاتفاقية قبل أن تصبح حقيقة فاجعة، ولا بالتصدي للخروقات الحكومية اليومية في ملف الحقوق، وإهدار الكرامة الإنسانية.
ومع التقدير لبيان رئيس مجلس النقباء (نقيب المهندسين) أحمد سمارة الزعبي المندد بالاستخدام المتعسف لسلطة الحاكم الإداري غير الدستورية في توقيفه للمحتجين، إلا أن حال النقابات «المهادن» للحكومات، والتي تدفن رأسها بالرمال، وتسكت عن الانتهاكات المتكررة للحريات والحقوق، أوصلنا لمرحلة ألا تخشى الحكومة – على الأقل- رد الفعل الغاضب.
بعد اليوم لن أصدق كل من يريد إقناعنا أن الإصلاح سائر على الطريق، والديمقراطية ستزهر بعد مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وكل من يحاول أن يجادلني سأقول له هذا هراء، ما لم تُضمن الحريات وحقوق الإنسان أولا وأخيرا.