قبل الشروع بقراءة وتحليل أرقام مشروع قانون موازنة 2022 والتي سيكون لنا في الأيام المقبلة سلسلة مقالات خاصة بها، لا بد أولا من استعراض نتائج ما آل إليه قانون موازنة 2021 والذي ينتهي العمل به بعد شهر من الآن، لكي نستطيع ان نفهم المعطيات الماليّة للسنة المقبلة بشكل أكثر دقة وشمولية.
الخزينة واصلت تأثرها العميق بتداعيات كورونا رغم ان الإغلاقات كانت أخف مما كانت عليه في العام 2020، إلا أن المشهد بقي ضبابيا في النصف الأول من هذا العام، نتيجة الإغلاق الجزئي الذي حصل لبعض القطاعات قبل ان تفتح كاملا في النصف الثاني من هذا العام، لكن في المحصلة بقي الاقتصاد يعيش في حالة من عدم اليقين بسبب الوباء، والذي كانت له انعكاسات مباشرة على الاقتصاد عامة والموازنة خاصة.
فالاقتصاد الذي خرج من حالة الانكماش في العام 2020 نسبته ( – 1.6 %)، الى حالة النموّ الإيجابي العام الحالي (2 %)، بقي أسيرا لتغيرات ماليّة أدت إلى تغيير شكلي واضح في العديد من بنود موازنة 2021 .
في بند الإيرادات العامة كان واضحا ان هناك تفاوتاً حادا في تحقيق المؤشرات الماليّة وفق ما هو مستهدف، فالإيرادات الضريبيّة حققت ما هو مقدّر لها هذا العام يتجاوز قيمته 109 ملايين دينار، وهذا ناتج عن نموّ إيرادات ضريبة الدخل والمبيعات بمقدار (40 و123) مليون دينار على التوالي.
لكن الاخفاق حدث في باقي بنود الايرادات العامة، حيث انخفضت إيرادات الجمارك وضريبة العقار عن المقدر بواقع (19 و 35) مليون دينار على التوالي، وبهذا نستطيع القول ان نموّ تحصيلات ضريبة الدخل والمبيعات أنقذ بند الإيرادات المحلية والعامة من التراجع الكبير الذي كان ممكن ان يحدث.
التراجع الآخر الكبير الذي حدث وله ارتباط بتداعيات كورونا هو في بند الإيرادات غير الضريبيّة التي تراجعت تحصيلاتها عن المقدّر في موازنة العام الحالي بمقدار 106 ملايين دينار، وهو رقم كبير نسبياً.
بالنسبة للمنح الخارجيّة حافظت الموازنة على تقديراتها بالحصول الفعلي على 840 مليون دينار شكّلت المنحة الأميركية (599مليون دينار) وحدها ما يزيد على 60 % من إجمالي المنح الواردة للخزينة.
أما إجمالي النفقات العامة فقد انخفضت بقيمة 238 مليون دينار بسبب سياسات ضبط الإنفاق التي اتبعتها الحكومة خلال العام الحالي، والذي انعكس على تخفيض النفقات الجارية بواقع 18 مليون دينار، لكن التخفيض السلبي الكبير الذي حدث في موازنة 2021 هو الحاصل في بند النفقات الرأسمالية التي تراجعت عن المقدر بمقدار 220 مليون دينار، وهذا ناتج بشكل رئيس عن رغبة الحكومة في توفير مخصصات جديدة وطارئة للمجهود الصحي والتعيينات الأخيرة في القطاع الطبي، مما استدعى إلغاء الكثير من مخصصات المشاريع الرأسمالية.
أما أوجه الإنفاق في العام الحالي فقد توزعت على مسلمات ثابتة من رواتب ومخصصات الجهازين المدني والعسكري والأمن والسلامة العامة والتقاعد المدني والعسكري والذين استحوذوا وحدهم على ما يقارب الـ66 % من مجمل النفقات الجارية.
تطورات إجمالي الدين كانت واضحة للعيان ما بين المقدر (36.524) مليار دينار وما بين اعادة التقدير (36.568) مليار دينار، اي بزيادة مقدارها 44 مليون دينار، لتبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي مع ديون الضمان (113.7 %) وهي نسب مرتفعة بكل المقاييس، في حين بقيت فوائد الدين على حالها بين ما هو مقدر وفعلي بواقع 1.452 مليار دينار سنويا.
أخيرا، فإن نتائج الاداء الماليّ لموازنة 2021 – ضمن معطيات تطورات النفقات والإيرادات- زيادة عجز الموازنة للعام الحالي بعد المنح إلى ما مقداره 1.729 مليار دينار، وهو اعلى بواقع مليار دينار على ما تحقق فعليا في سنة 2019 اي قبل عام من الكورونا، ولا نستطيع ان نقيس مؤشرات العجز الماليّ الحالي بما حصل العام الماضي بسبب كورونا وتداعياتها الاستثنائية على الموازنة، ولا ننسى ان هناك عجزا آخرا بقيمة تتجاوز الـ600 مليون دينار على المؤسسات المستقلة يضاف للعجز الرئيسي في الموازنة.
الاستعراض السابق لما تحقق ماليا العام الحالي يفتح الآن باب النقاش والتحليل لمؤشرات مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2022 الذي بات لدى النوّاب والتي ستكون لهذه الزاوية نصيب منها.