مهدي مبارك عبد الله - بتوزيع مبرمج ومفضوح للأدوار بدءاً من رأس الهرم السياسي في اسرائيل ممثلاً بالحكومة ووزرائها ومؤسساتها الرسمية وهذه المرة بمشاركة رئيس دولة الاحتلال اسحق هرتسوغ مروراً بجيش الاحتلال واجهزته العسكرية والامنية المختلفة وصولاً لمليشيات ومنظمات المستوطنين الارهابية المسلحة المنتشرة على تلال وجبال وطرقات الضفة الغربية المحتلة في ( قواعد ارهابية اسرائيلية رسمية منظمة ) بهدف نهب المزيد من الارض الفلسطينية المحتلة وتخصيصها للاستيطان
وضمن خطوة استفزازية لمشاعر الفلسطينيين وملايين من العرب والمسلمين وفي سابقة خطيرة تؤكد حجم مشاركة الاطراف الرسمية الصهيونية في عمليات أسرلة وتهويد الحرم الابراهيمي بأكمله من خلال اعتداءاتها وانتهاكاتها المتكررة لحرمة واحد من اهم المقدسات الإسلامية واستخفافا بالمواقف والجهود الدولية الرافضة للخطوات احادية الجانب لتثبت هذه الاعتداءات وكذّب وعدم صحة ما تروج له دعاية تل ابيب في المستوى السياسي بانها بصدد اتخاد قرارات عملية لملاحقة عناصر الارهاب اليهودي المتشدد التي ترتكب الاعتداءات ضد المواطنين الفلسطينيين
لقد انكشفت العورات وظهرت الحقائق عل الارض بعدما قام مساء يوم الأحد الماضي 28 / 11 / 2021 الامعة الناعق على الجبل الشاهق ( إسحاق هرتسوغ ) رئيس ما يسمى بدولة الكيان الصهيوني وبصحبته ثلة من الغوغاء الحمقى والجهلاء من قادة المستوطنين في الضفة الغربية وأعضاء من الكنيست تحت حراسة أمنية مشددة من قوات الاحتلال باقتحام المسجد الابراهيمي الشريف في مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة بزعم المشاركة في الاحتفال بـ ( عيد الأنوار ) اليهودي دون أي اعتبار لقدسيته وحرمته ومدى تداعيات هذه الاستفزازات وما سيترتب عليها سيما وان الشعب الفلسطيني لن يسمح بأن تمر محاولات المساس بمقدساته دون أن يتصدى لها رجاله وأحراره بمختلف الأشكال وبكل القوة لإفشال أهدافها العنصرية
قبل تنفيذ عملية الاقتحام حول جنود الاحتلال المسجد الإبراهيمي ومحيطة لثكنة عسكرية حيث اغلقوا بواباته ورفعوا العلم الاسرائيلي على سطحه الى جانب نصب الشمعدان عليه في محاولة لتكريس تهويده بحجة الاعياد اليهودية على طريق مخطط سياسي اسرائيلي استعماري يستغل الاعياد لتحقيق المزيد من المطامع والمشاريع الاستيطانية التوسعية في الارض الفلسطينية المحتلة
كما حرم الجنود الصهاينة دخول المصلين والزوار إلى الحرم الإبراهيمي لمدة ساعتين ومنعوا رفع أذان العصر والمغرب ودخول المواطنين للصلاة كما اعترضت قوات الاحتلال طريق الأهالي المتوجهين إلى منازلهم الواقعة في شارع الشهداء في محيط الحرم الإبراهيمي وأجبرت أصحاب المحال في البلدة القديمة بالمدينة على إغلاق محالهم كما أعاقت عمل الطواقم الصحفية واعتدت على عدد منهم في محاولة لمنعهم من تغطية عملية الاقتحام وإضاءة الرئيس الإسرائيلي ( شعلة حانوكا ) في الشمعدان داخل الحرم الإبراهيمي كإيذان ببدء الاحتفال بالعيد اليهودي
عقب خروج هرتسوغ من الحرم ردد المستوطنون هتافات عنصرية خلال مسيرهم ضد سكان حارة السلايمة وحارة غيث وقاموا بتأدية رقصات تلموديه استفزازية في ذات المكان بحراسة عناصر جيش الاحتلال
هذا الاقتحام هو الاول من نوعه وقد سبق أن اقتحم الرئيس الإسرائيلي السابق ( رؤوبين ريفلين ) وعدد من المسؤولين الإسرائيليين الكبار الحرم الإبراهيمي إلا أن هذا أول اقتحام لرئيس الدولة بمناسبة عيد الأنوار اليهودي وهنا يقع مكمن خطورته بتزامنه مع إعلان كيان الاحتلال مؤخرا عن المصادقة على بناء 372 وحدة استيطانية جديدة لتوسيع مستوطنة ( كريات أربع ) المقامة على أراضي مدينة الخليل
في المقابل شهدت البلدة القديمة في الخليل حالة من التوتر حيث رفع عشرات الفلسطينيين العلم الفلسطيني عقب صلاة الظهر أمام مدخل المسجد الإبراهيمي وهتفوا منددين بوصول هرتسوغ وسط دعواتهم ومطالباتهم لإعماره بشكل مستمر والتواجد في ساحاته وأروقته في كل الأوقات والساعات وقد اندلعت مواجهات ايضا في منطقة باب الزاوية بالخليل بين الشبان الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية
المسجد الإبراهيمي يقع في البلدة القديمة من الخليل الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية ويسكن فيها نحو 400 مستوطن يحرسهم حوالي 1500 جندي إسرائيلي ومنذ عام 1994 يقسَم المسجد الذي يعتقد أنه بني على ضريح نبي الله إبراهيم عليه السلام إلى قسمين قسم خاص بالمسلمين وآخر باليهود وذلك بعد قيام حاخام يهودي بقتل 29 فلسطينياً في صلاة الفجر في 25 شباط من العام ذاته ناهيك عن الواقع الصعب على حياة المواطنين في البلدة القديمة بسبب الاحتلال
بعدما وضعت الحراسات المشددة على الحرم وأعطت للاحتلال الحق في السيادة على الجزء الأكبر منه حوالي 60% بهدف تهويده والاستيلاء عليه ويذكر في هذا الصدد ان لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو أعلنت في تموز 2017 الحرم الإبراهيمي موقعاً تراثياً فلسطينيا ويعلم الجميع ان كل هذه الممارسات المرفوضة لن تغير من واقع الحال لهذه الأمكنة المستهدفة والأرض المغتصبة التي ستبقى إسلامية وعربية الى الابد
الفعل الاجرامي الجبان في موعده وتوقيته وقيادته شكل إعلاناً صريحاً وواضحاً عن رعاية هرتسوغ لمخططات المستوطنين ودعمه جرائمهم بحق أبناء الشعب الفلسطيني خاصة وانه يندرج في سياق السياسة الصهيونية القائمة على التهجير والاستيطان والضم الزاحف في الضفة المحتلة بالإضافة الى مخططات التهويد التي تستهدف مدينة خليل الرحمن والمسجد الإبراهيمي
فضلا عن محاولات تحويله الى كنيس يهودي وتسهيل السيطرة عليه زمانيا ومكانيا وحرمان المسلمين من الصلاة فيه وإعطاء رخصة رسمية لتهويده بشكل كامل بكل ساحاته وأروقته كما ان ذلك يثبت من جديد إمعان إسرائيل في العدوانية والعنصرية بحق الفلسطينيين وتشجيع المستوطنين لمواصلة اقتحاماتهم واعتداءاتهم على المقدسات سواء المسجد الأقصى المبارك أو الحرم الإبراهيمي او حتى الكنائس أيضا وهو بلا شك استمرار فاضح لتنكرها لأي احتمال لتحقيق السلام القائم على اسس الحق والعدل وقواعد القانون ومبادئ الشرعية الدولية
هذه الهجمة الجديدة لاقت الادانة والرفض عربيا واسلاميا ودوليا وقد احدثت جدلا داخليا في الأوساط السياسية والحزبية الإسرائيلية حيث سارع أعضاء في الكنيست من حزب ميرتس اليساري وحركة ( السلام الآن ) إلى مهاجمة هرتسوغ على هذه الخطوة ودعوا إلى مظاهرة احتجاجية ضد الحدث لأنه اختار أن يضيء شمعة في مكان أصبح ( معقلًا للكهانة ) ورمزا لقهر الفلسطينيين وتعنيفهم
في وقت يجب فيه على رئيس الدولة أن يكون شخصيته موحدة للآخرين وليس مثار خلاف أو تباين فضلا عن كون السيطرة العسكرية الإسرائيلية على مدينة الخليل بشكل خاص والأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل عام هي موضع خلاف سياسي داخلي إسرائيلي لأنه من بين جميع المستوطنات الإسرائيلية فإن الاستيطان في الخليل وحول الحرم الإبراهيمي خصوصا يعتبر الأكثر فظاعة ووحشية حسب قولهم
أما أعضاء الكنيست موسي راز وغابي لاسكي وميشال روزين وغيرهم فقد هاجموا هرتسوغ في بيان مشترك جاء فيه أنه إذا كان هناك شر في الاحتلال فهو ما يشهده الحرم الإبراهيمي من انتهاكات المستوطنين المتواصلة ضد الفلسطينيين رغم ان الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل خاضع للسيطرة الإسرائيلية الا ان المستوطنون هناك يرتكبون أفعالا مثيرة للجدل والغريب أنه لليس هنالك رئيس إسرائيلي قبل هرتسوغ أضاء شمعة الحانوكا في هذا المكان
كما هاجمت صحيفة ( هآرتس العبرية ) في افتتاحيتها، قرار الرئيس الإسرائيلي الاحتفال بعيد الأنوار اليهودي بالحرم الإبراهيمي في الخليل وقالت من بين كل الأماكن اختار هرتسوغ مدينة الخليل تلك المدينة التي تجسد بشاعة ووحشية الاحتلال وعنف المستوطنين الذي اضطر معظم سكانه الفلسطينيين إلى هجر منازلهم ومحلاتهم فيه بسبب إرهاب المستوطنين
بكل وضوح ما قام به رئيس الدولة يمثل مناصرة رسمية للظلم الذي يرتكب كل يوم بما فيه ذكرى المجزرة التي ارتكبها الحاخام المتطرف الارهابي ( باروخ غولدشتاين ) وراح ضحيتها 29من المصلين في الحرم الإبراهيمي في عام 1994 حيث لا يوجد مكان آخر في الضفة تتضح فيه معالم نظام الفصل العنصري الإسرائيلي بهذا الشكل المرعب كما في الخليل ( الشوارع معزولة ويحظر على الفلسطينيين السير فيها ويمنع دخول سياراتهم اليها ولا زالوا يعيشون بين نقاط التفتيش عند كل مفترق وفي كل زاوية والعنف والإذلال على أيدي أفراد الجيش وحرس الحدود والمستوطنين وأطفالهم هي الصفة اليومية للتعامل معهم
اخيرا ان قرار اقتحام الحرم الابراهيمي برعاية رئيس الكيان الاسرائيلي كان عملا معيبا ومخجلا ومنفصلا عن الواقع بكل تفاصيله وعلى حكومة الكيان الاسرائيلي ان تعي جيدا النتائج الخطيرة لاستمرار سياسات الاستيطان والقمع والتنكيل ومصادرة الارضي وتدنيس المقدسات وتدمير المنازل وسرقة الممتلكات على الامن والاستقرار الاسرائيلي وتصعيد الصراع وقطع سبل التعايش في المنطقة برمتها ودون رجعة بعدما طفح الكيل وبلغ السيل الزبى
mahdimubarak@gmail.com