بعد عامين عاد العالم وقبيل احتفالات أعياد الميلاد ورأس السنة إلى إجراءات مشددة في مواجهة المتحور الجديد لفيروس كورونا “أوميكرون”.
تباينت التدابير التي اتخذتها الدول في مواجهة “أوميكرون”، ولكنها جميعا متخوفة من تزايد حالات الإصابة، ومخاطر العدوى، وتفشي الوباء مجددا، في ظل جدل محتدم حول فعالية اللقاحات في التصدي لهذا المتحور الجديد.
معركة كوفيد 19 منذ عامين مستمرة، وهي حرب استنزاف خطيرة تهدد الدول ومنظومتها الصحية، وتفتك بالبشر، وتصيب اقتصاديات الدول في مقتل، بعد رهانات بالانتعاش، والتعافي في الأشهر الماضية.
يتجنب العالم اللجوء لسياسات الإغلاق التي انتهجها في التعامل مع فيروس كورونا طوال أكثر من عام، وعاد ليخففها أولا، ويرفعها لاحقا بعد أن قطعت دول حول العالم شوطا في ميدان تطعيم المجتمع.
الأردن بعد “أوميكرون” شدد إجراءاته، وأعلن قائمة دول يمنع دخول القادمين منها، وأعاد فرض الحجر المؤسسي للأردنيين والأردنيات الذين يأتون من الدول المحظورة، لكن الخبراء يتوقعون أن يتسلل المتحور الجديد، مثلما حدث في كل سلالات كورونا السابقة، والرهان يبقى في ملعب الناس باستمرارهم في اتخاذ تدابير الوقاية.
باعتقادي أن الأردن لا يعيش ازمة المتحور الجديد فقط، وإنما وهو الأهم استنكاف الناس عن تلقي المطعوم، ولجوء البعض ممن يرفضون تلقي اللقاح تحت حجج وذرائع مختلفة إلى أساليب من التحايل وصلت إلى دفع الأموال، والرشوة لأخذ “مطاعيم وهمية”، وهذا لم يعد سرا، وأحيل متواطئون إلى النيابة العامة للتحقيق معهم، ومساءلتهم عن أفعالهم التي اعتبرها “جريمة”.
لا تستطيع الدول أن تجر الناس بالسلاسل لتلقي اللقاح، غير ان غالبية دول العالم توجهت لفرض إجراءات – لحماية الصحة والسلامة العامة للمجتمع- تحاصر الرافضين لأخذ اللقاح، ووضعت قيودا على حركتهم، قد تدفعهم إلى مراجعة حساباتهم، وتقبل أخذه في نهاية المطاف.
أكثر دول العالم التي وفرت المطعوم بيسر وسهولة لمواطنيها، وسكانها حققت معدلات في تحصين الناس أفضل منا، ففي بلدنا ما تزال نظريات المؤامرة، والخرافات، والمخاطر الطبية تشغل تفكير الكثير من الرافضين للقاح.
لن يتجه الأردن حسب المعلومات المتوفرة، والتأكيدات الرسمية إلى إجراءات الحظر، والاغلاق، فالوضع الاقتصادي صعب، ولا نملك ترف المزيد من القيود التي قد ينتج عنها كوارث اقتصادية، كما أن الحالة الصحية حتى الآن تحت السيطرة، رغم أن الإصابات في الأسبوع الماضي اقتربت من حاجز 5 آلاف حالة، والفحوصات الإيجابية لامست 10 %، ونسبة إشغال المستشفيات خاصة في إقليم الشمال كانت الأعلى، إذ بلغت نسبة إشغال أسرة العزل 29 %، وأسرة العناية المركزة 53 %، وإشغال أجهزة التنفس 36 %.
التحول الواضح كان في أمر الدفاع (35) الذي يبدأ سريانه من بداية العام المقبل، فلا يسمح لأي موظف/ موظفة في القطاع العام من الالتحاق بالعمل ما لم يكن قد تلقى جرعتي المطعوم، ولا يسمح لأي شخص تجاوز سن 18 عاما أن يدخل لأي مؤسسة عامة إذا لم يثبت تلقيه جرعتي اللقاح، وما ينطبق على المؤسسات العامة ينطبق على القطاع الخاص، وكل مؤسسة تخالف وتسمح بدخول غير المطعمين ستتعرض للإغلاق، وغرامات مالية مغلظة.
من المفترض إذا طُبق أمر الدفاع بحزم أن تتحسن معدلات التطعيم، والخلل في التغاضي عن التطبيق في المؤسسات العامة والخاصة، وتطبيق سند عرضة للأعطال، ولا يوجد اهتمام به بالأساس.
واضح أن فيروس كورونا سيرافقنا في العام 2022 أيضا، وعلى الدولة أن تضع استراتيجية، وخطة، ومسطرة واضحة في التعامل مع هذا التحدي الذي يشكل عبئا على حياتنا، وأرهقها، وهذا يبدأ ويمتد لكل التفاصيل، وربما في مقدمتها قضية التعليم، والأرقام عن تزايد الإصابات في المدارس.
وفي التفاصيل من غير المقبول ان تكون الحكومة متشددة في إجراءات التباعد في الاحتجاجات، وبيوت العزاء، وتغض النظر عن الحفلات الغنائية مثلا، وهذا لا يعني أنني ضد الاحتفالات والمباريات، وحق التجمع السلمي، فقد تعبت الناس من القيود التي عاشتها منذ عامين.
المطلوب التفاهم مع المجتمع على منظومة الإجراءات والتدابير، وأن تكون شفافة، ولا تخضع للتسيس، والانتقائية والاجتزاء، وقبل ذلك تقدم الأدلة المقنعة على وجاهتها، وصحتها، واعتمادها أدلة علمية موثوقة.
الناس في الأردن ليسوا قطيعا يقاد بناءً على مزاج الحكومة، والمشكلة أولا وأخيرا أنهم لا يثقون بالسياسات والإجراءات الرسمية، ويعارضونها حتى ولو كانت صحيحة.