زاد الاردن الاخباري -
كتب .. المهندس محمود العيص - لماذا لم يتم العثور على البترول في الأردن حتى الآن؟ بالرغم من مرور وقت طويل على بدء عمليات_الاستكشاف. سؤال يطرحه المواطن الأردني البسيط والمثقف على حد سواء، والذي يزيد الموضوع تعقيدا تواجد البترول وبكميات تجارية في كل الدول المجاورة، في السعودية ودول الخليج العربي، في سورية والعراق واليمن ومصر والسودان.. أليس الأردن جزءا من هذا الإقليم؟ هل البترول موجود ولكن لم يتم اكتشافه؟ وهل أدت الشركات الأجنبية التي قامت بعمليات البحث و التنقيب عملها بكفاءة، أم أنها تعرضت لضغوط خارجية ولأسباب سياسية منعت من إتمام عملها والعثور على البترول؟
خلاصة القول، وقبل الدخول في تفاصيل الموضوع والتي أراها تفاصيل مهمة تساعد على تحديد التوجهات المستقبلية للتعامل مع هذا الموضوع المهم هي أن الأردن مصنف عالميا على أنه من المناطق الهامشية لتواجد البترول، وأن احتمالات وجود البترول في الأردن تعد ضعيفة الى متوسطة على أحسن الأحوال، إذ إن الأردن مختلف جيولوجيا عن المناطق التي توجد فيها تجمعات_بترولية في الأقطار المجاورة التي تبعد مئات الكيلومترات عن الأراضي الأردنية. وإن الاحتمالية الأكثر ترجيحا هي وجود جيوب نفطية تكون معرضة لضغط وحرارة، وليس وجود حقول نفطية متكاملة، وهذا ما شاهدناه في حقل حمزة النفطي بالتحديد.
مسيرة التنقيب والاستكشاف البترولي في الأردن
يمكن تقسيم مسيرة التنقيب عن البترول في الأردن الى أربع مراحل رئيسة، هي:
– المرحلة الأولى: التنقيب بواسطة الشركات الأجنبية خلال الفترة 1947-1980.
– المرحلة الثانية: البرنامج الوطني للتنقيب عن البترول 1980-1995.
– المرحلة الثالثة: إنشاء شركة البترول الوطنية وهيكلة القطاع 1995-2014.
– المرحلة الرابعة: من العام 2014، تاريخ إعلان شركة برتش بتروليم إيقافها أعمال البحث والتنقيب في حقل الريشة الغازي وانسحابها من اتفاقية المشاركة في حق امتياز الحقل وحتى الآن.
ونشرح هنا تفاصيل هذه المراحل.
المرحلة الأولى: التنقيب بواسطة الشركات الأجنبية
بوشر بالدراسات المتعلقة بجيولوجية الأردن في العام 1876، وصدرت التقارير الأولية عن إمكانية وجود البترول في الأردن في العام 1939، ولقد أدى النجاح الكبير الذي حالف صناعة النفط في الدول العربية المحيطة بالأردن وكذلك وجود دلائل هيدروكربونية سطحية الى اجتذاب العديد من الشركات الأجنبية من أجل الحصول على امتيازات بترولية فيه.
وكانت شركة نفط العراق أولى الشركات التي حصلت على امتياز التنقيب عن البترول في الأردن في العام 1947 مدته 75 عاما ليشمل أراضي المملكة الأردنية الهاشمية كافة آنذاك، إلا أن هذه الاتفاقية ألغيت العام 1954. وتقدمت الشركة ببعض التقارير الجيولوجية بالاعتماد على المشاهدات الميدانية السطحية، مرفقة عددا من الخرائط الجيولوجية، وكذلك قامت الشركة ببعض الأعمال الجيوفيزيائية مثل مسوحات الجاذبية والمغناطيسية لمناطق الريشة والأزرق والقطرانة.
ومنذ العام 1947 وحتى العام 1980، بلغ عدد الشركات التي حصلت على امتياز للتنقيب عن البترول في الأردن سبع شركات، أربع منها فقط قامت بعمليات تحرّ وتنقيب ميدانية، والشركات السبع المذكورة هي:
1 – شركة نفط العراق (1947-1954)، مدة الاتفاقية 75 عاما، واقتصر عمل الشركة على المسوحات والدراسات الميدانية ولم تقم بحفر أي بئر.
2- شركة أدوين باولي وشركة فيليبس خلال الأعوام (1956-1960) ومدة الاتفاقية 55 عاما، وحفرت الشركة 6 آبار، هي الصفراء 1، رام الله 1، حلحول 1، صويلح 1، ووادي الأردن 1، واللسان 1.
3- شركة جورج زميلي (1958-1959) ومدة الاتفاقية 55 عاما، ولم يكن للشركة أي نشاط يذكر.
4 – شركة ميكوم (1964-1966) ومدة الاتفاقية 40 عاما، وقد قامت هذه الشركة الى جانب بعض الأعمال الجيولوجية والفيزيائية بحفر أربع آبار هي؛ الحمامة البيضاء في حلحول، مار سابا، عزون وأريحا.
5- شركة اينا-اندوستريا نافتا اليوغسلافية: وقعت اتفاقية الامتياز مع هذه الشركة العام 1968 وألغيت العام 1971 بناء على طلب الشركة، وكانت مدة الاتفاقية 25 عاما، قامت الشركة، إضافة الى الأعمال الجيولوجية والجيوفيزيايئة في مناطق الأزرق والسرحان، بحفر أربع آبار عميقة هي:
– بئر وادي الغدق رقم 1 وعمقها 3081 مترا.
– بئر وادي راجل رقم 1 وعمقها 3076 مترا.
– بئر وادي السرحان رقم 1 وعمقها 1800 متر.
– بئر وادي الهزيم رقم 1 وعمقها 1860 مترا.
6- شركة ديسكو الكندية، وقعت اتفاقية الامتياز مع هذه الشركة العام 1972 وألغيت العام 1973؛ حيث لم تقم الشركة بتنفيذ التزاماتها التعاقدية ولم تقم بأي عمل يذكر.
7- شركة فيلون الأميركية، وقعت هذه الشركة اتفاقية المشاركة والإنتاج مع الحكومة الأردنية العام 1975 وانتهت العام 1978، قامت الشركة بإجراء المسوحات الجيولوجية والجيوفيزيايئة في مناطق امتيازها في المرتفعات الشمالية وغور الأردن والبحر الميت، وكذلك قامت بحفر بئر استكشافية في منطقة الرمثا لعمق 2754 مترا.
المرحلة الثانية: البرنامج الوطني للتنقيب عن البترول
بعد عزوف شركات البترول العالمية عن دخول الأردن للاستثمار والمشاركة في أعمال التنقيب من خلال اتفاقيات امتياز أو مشاركة في الإنتاج، قررت الحكومة الاعتماد على الذات وانتهاج استراتيجية جديدة للقيام بأعمال الاستكشاف البترولي في مختلف مناطق المملكة بالاعتماد على الكوادر التي كانت متوفرة آنذاك وتمويل المشروع من خزينة الدولة، مع إبقاء الباب مفتوحا أمام الشركات الأجنبية.
بوشر بأعمال المسح الزلزالي العام 1981 بواسطة فرق مستأجرة في ثلاث مناطق رئيسة؛ الأولى في منطقة الأزرق، والثانية في منطقة الريشة، والثالثة في منطقة السرحان، ضمن برنامج للمسح الاستطلاعي أعقبه مسح تفصيلي للأجزاء المؤملة. شهدت هذه الفترة في مرحلة لاحقة عودة عدد من الشركات البترولية الأجنبية للبحث والتنقيب، منها شركة اموكو وشركة هنت وشركة بتروفينا وشركة شل وشركة هانبو الكورية؛ حيث قامت بمسوحات زلزالية تفصيلية في مناطق امتيازها، وبلغ مجموع أطوال المسح الزلزالي المنجز 34 ألف كيلومتر طولي في جميع أنحاء المملكة.
لقد قامت الحكومة، ممثلة بسلطة المصادر الطبيعية، بحفر 87 بئرا تراوحت أعماقها بين 1700-4500 مترا. منها 30 بئرا في منطقة الريشة على الحدود الأردنية العراقية و27 بئرا في منطقة الأزرق. وبلغ ما تم إنفاقه على برنامج الحفر والتنقيب من أموال الخزينة حتى العام 1995 حوالي 250 مليون دولار أميركي. وأسفرت الجهود عن اكتشاف كميات بسيطة من النفط في حقل حمزة العام 1984، كما تم اكتشاف الغاز الطبيعي في منطقة الريشة العام 1987، ولقد كانت أعمال الاستكشاف التي قامت بها الحكومة ضمن البرنامج الوطني متواضعة وذات كلف عالية على خزينة الدولة.
المرحلة الثالثة: إنشاء شركة البترول الوطنية وهيكلة القطاع
امتدت هذه المرحلة من العام 1995 حتى العام 2014 تاريخ انسحاب شركة “برتش بتروليوم” من اتفاقية المشاركة في حق الامتياز لحقل الريشة.
وجاءت فكرة تأسيس شركة وطنية للبترول من الفهم الحديث لأعمال الاستثمار التي ينبغي أن تستند الى الجدوى الاقتصادية وتجنب هدر الأموال، فلا يتم حفر البئر الاستكشافية إلا بعد إجراء الدراسات الجيولوجية والجيوفيزيائية ودراسة مكامن البترول وربط نتائج هذه الدراسات معا. حتى إذا أشارت هذه الدراسات الى وجود البترول، يتم الانتقال الى مرحلة الحفر، ذلك أن صناعة الاستكشاف وإنتاج النفط والغاز هي صناعة كبرى يعتمد نجاحها على اتباع الأسس العلمية الحديثة ومراعاة المبادئ الاقتصادية المتعارف عليها في هذه الصناعة، تماما كما هو الحال في غيرها من الصناعات الكبرى المتقدمة.
ومن الصعب على المؤسسات الحكومية أن تتولى أعمال الاستكشاف وفق هذه الأسس، كما اتضح من تجربة سلطة المصادر الطبيعية بتولي أعمال الاستكشاف والحفر. وبناء على ما تقدم، أوصت دراسة قدمتها شركة استشارية كندية وكذلك البنك الدولي، بإناطة أعمال الاستكشاف والإنتاج بشركة وطنية تعمل على أسس اقتصادية وفنية سليمة، ومن هنا تقرر العام 1995 إنشاء شركة البترول الوطنية ومنحها امتيازا للتنقيب عن البترول وإنتاجه وتسويقه في منقطة حقل الريشة الغازي الذي تبلغ مساحته 7600 كيلومتر مربع.
وتم إنشاء هذه الشركة الحكومية بكوادر مديرية البترول في سلطة المصادر الطبيعية وتم نقل الحفارات ومعدات أخرى الى شركة البترول الوطنية، ومنحت الشركة الحكومية امتيازا في حقل الريشة لمدة 50 عاما ابتداء من العام 1996 إلى العام 2046، وتضمن هذا الامتياز تقسيم العوائد بنسبة 50 % بين الحكومة وشركة البترول الوطنية (حكومية). وكانت الحكومة تشتري الغاز من الشركة بسعر ثابت وأقل من الأسعار العالمية، وترفض الحكومة تغيير هذه الأسعار رغم المحاولات العديدة من قبل الشركة، وكذلك الحال بالنسبة لاسترداد التكاليف للشركة المنصوص عليها في اتفاقية الامتياز. كل هذا أدى الى محدودية دخل الشركة الذي يبلغ 4-7 ملايين دينار سنويا اعتمادا على كمية إنتاج الغاز، وهذا المبلغ السنوي يعد ضئيلا جدا لتنفيذ أعمال الحفر والاستكشاف، وبالتالي لم تستطع الشركة، على سبيل المثال، استكشاف مجمل مساحة الامتياز، أو تطوير إنتاج الغاز كما يجب أو تطوير حفارات الشركة، فحفر أي بئر نفطية الى أعماق 4000 متر يكلف بحدود 6-8 ملايين دولار.
في ظل المعطيات السابقة، كان لا بد من محاولة جلب مستثمر ذي خبرة فنية عالية وإمكانات مالية كبيرة لاستكشاف وتطوير هذا الحقل، وتم طرح عطاء دولي في العام 2008، أحيل على شركة “برتش بتروليوم” العالمية، وتم التفاوض مع الشركة وتوقيع اتفاقية معها بعد أن مرت بجميع مراحلها الدستورية.
وتتكون الاتفاقية من أربع اتفاقيات فرعية هي “اتفاقية تعديل الامتياز” و”اتفاقية التنفيذ” و”اتفاقية حوالة حصة” و”اتفاقية التشغيل”، وهذه الاتفاقية تمتد للعام 2046؛ أي 50 عاما منذ منح الامتياز لشركة البترول الوطنية العام 1996، وهي مكونة من مرحلتين؛ الأولى مرحلة “الاستكشاف والتقييم” وتمتد من 3-5 سنوات، والثانية “التطوير والإنتاج”. والاتفاقية بجميع المقاييس العالمية عادلة للمملكة، وهي أفضل اتفاقية بترول تم التوصل اليها منذ بداية أعمال الاستكشاف البترولي في المملكة العام 1947.
وكنت حينها عضوا في مجلس إدارة شركة البترول، وأحد أعضاء لجنة التفاوض، وخلال مرحلة الاستكشاف والتقييم، قامت شركة “برتش بتروليوم” بتنفيذ مسوحات زلزالية ثلاثية الأبعاد وبتكنولوجيات متطورة غطت مساحة الحقل تقريبا وقامت بحفر بئرين عميقتين، وأنفقت خلال هذه المرحلة حوالي 400 دولار أميركي.
وفي العام 2014، أعلنت شركة “برتش بتروليوم” انسحابها من الحقل لعدم تحقق الجدوى بالنسبة لها. وحسب الاتفاقية، تركت نتائج المسوحات الزلزالية كافة ملكا للحكومة ولشركة البترول الوطنية.
المرحلة الرابعة: انسحاب “برتش بتروليوم” من حقل الريشة 2014- حتى الآن
لقد ترك هذا الانسحاب بالغ الأثر على جهود الحكومة اللاحقة في اجتذاب أي من الشركات العالمية للاستثمار في إعمال البحث والتنقيب عن النفط والغاز في المناطق الاستكشافية المعروضة للاستثمار.
كما أعطى إشارات سلبية لشركات البترول العالمية عن حجم المخاطرة في الاستثمار في هذا المجال في الأراضي الأردنية؛ حيث اقتصر العمل في هذه الفترة على جهود متواضعة من قبل شركة البترول الوطنية للمحافظة على مستويات الإنتاج والتي هي بحدود 9-15 مليون قدم مكعبة من الغاز في اليوم تشكل أقل من 1 % من مجمل احتياجاتنا من الطاقة.
تقييم طاقة الأردن البترولية
بعد جهود الاستكشاف التي تمت عبر الأعوام السبعين الماضية والتي تم خلالها حفر 140 بئرا بواسطة شركات البترول العالمية والحكومة الأردنية، لم تسفر إلا عن نتائج متواضعة وكميات قليلة من الغاز في حقل الريشة وكميات قليلة من النفط في حقل حمزة، وبعض الشواهد والتجمعات النفطية في مناطق الأزرق ووادي السرحان والبحر الميت.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل تعد إمكانيات الأردن البترولية ضعيفة، وما السبب وراء هذه النتائج المخيبة للآمال؟
أسئلة مطروحة تنتظر الإجابة، منها على سبيل المثال لا الحصر؛ في ظل عزوف الشركات الأجنبية عن الاستثمار في مجال الاستكشاف البترولي في الأردن، هل نحن قادرون من الناحية البشرية والعلمية والتكنولوجية والمالية على إعادة إحياء برنامج وطني متكامل للتنقيب عن النفط والغاز في الأردن؟
*مستشار وزير الطاقة والثروة المعدنية سابقا، وخبير متعاقد مع برنامج الأمم المتحدة حاليا