سلامة الدرعاوي - جرت العادة على وصف الأداء الرقابي النيابي على قانون الموازنة بالضعيف والمترهل وعدم القدرة على إحداث أي نقلة نوعية على صعيد المحاسبة والتقييم للسلوك الماليّ الرسمي او حتى التدقيق الفعلي والمهني حول قدرة الحكومة على الالتزام بالموازنة وعدم الانحراف عنها.
للأسف طالما كان هناك تواطؤ نيابي حكومي حول قانون الموازنة، بدليل ان جميع المخالفات التي حدثت في السنوات الماضية بالنسبة لخطة الدولة الماليّة التي تأتي في إطار قانون الموازنة كانت تحدث بمرأى ومسمع النوّاب، ولو كانت الحكومة قد طبقت الرقابة العالية المهنية والرشيدة في الاداء لكان الوضع الماليّ أفضل بكثير مما حقق فعلياً في السنوات الماضية.
اليوم مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2022 بين يدي النوّاب، وهناك الكثير من الأمور التي يجب على النوّاب التعاطي معها بروح المسؤولية العالية تجاه الاقتصاد الوطنيّ الذي يقبع تحت مديونية عالية تناهز الـ36.568 مليار دينار او ما نسبته 113.7 % من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسب خطرة وغير آمنة اقتصاديا أبداً في حال استمرارها بالنموّ دون التصدي لها.
دور مجلس النوّاب في هذه المرحلة مهم جداً وعليه مسؤولية خطيرة في إعادة ضبط الإيقاع الماليّ الذي تفردت به الحكومات في السنوات الماضية بمعزل عن النوّاب الذين اصبحوا أقرب لشهّاد الزور في كثير من الوقائع الاقتصاديّة التي كان من المفترض تدخلهم الإيجابي في ذلك الوقت لضمان عدم تفاقم الأمور، ” لكن الرياح تسير بما لا تشتهي السفن”.
هناك مؤشرات ماليّة تحتاج إلى وقفة ومراجعة حقيقية لما آلت إليه الأمور الماليّة في الموازنة وعدم ترك الحكومة وقرارها الرسمي متفردا في رسم السياسة الماليّة للدولة.
الدستور يمنح النوّاب حق المراجعة الماليّة وتخفيض أي نفقات لا تحقق المصلحة الاقتصاديّة للدولة وليس لها أي قيمة مضافة، وهذا الأمر يحتاج إلى جرأة نيابية في التعاطي مع أرقام الموازنة والعودة بها نسبيا إلى الأمان الاقتصاديّ المنشود.
لكن للأسف سلوكيات النوّاب في السنوات الماضية بالنسبة لهذا الأمر كانت تأتي معاكسة للدور الحقيقي الذي من المفترض ان يقوموا به، فغالبية النوّاب من خلال توصياتهم ومطالبهم الخدمية التي لا تنتهي كانت تولّد اتفاقا جديدا على ما هو مقدر بعكس ما هو مطلوب منها من الناحية النظرية في الرقابة والمتابعة الماليّة المناطة بهم، ففي كواليس أروقة مجلس النوّاب والوزارات تحدث صفقات حكومية نيابية تزيد الإنفاق، مما يساهم في زيادة العجز الماليّ ومن ثم المديونية.
غالبية مطالب النوّاب إما ان تكون في مجال التعيينات او في طلبات خدمية لمناطقهم الانتخابية، وكلها شكل من أشكال النفقات التي تثقل كاهل الخزينة التي بالأصل تعاني عجزا ماليا مزمنا لا يقل عن ملياري دينار بعد المنح.
النوّاب مطالبون اليوم بالتدخل الجراحي في النفقات العامة واتخاذ التوصيات الماليّة لضبط الإيقاع الماليّ للدولة، والعودة التدريجية لمناقشات الموازنة إلى شكلها السابق قبل كورونا طالما ان القطاعات الاقتصاديّة عادت للعمل بكامل أنشطتها وفعاليتها، فالأصل ان يكون نموّ النفقات الاستثنائي الذي حصل في العام 2020 هو لمرّة واحدة على ان يعود هذ النموّ للتراجع التدريجي بعد ذلك لا ان يواصل النموّ الذي يعني مزيداً من العجز والمديونية التي تتحملها الأجيال.