زاد الاردن الاخباري -
عقد قسم الجغرافيا في الجامعة الأردنيّة ندوة حول الأخطار الطبيعيّة المرافقة لانخفاض منسوب سطح البحر الميت، برعاية عميد كلية الآداب الدكتور إسماعيل الزيود.
وتحدّث خلال الندوة عددٌ من أعضاء هيئة تدريس وباحثي قسم الجغرافيا عن واحد من أهمّ التحدّيات البيئيّة التي تواجه الأردن، وإمكانيّة التصدي لها، مع وضع الأمور في سياقاتها العلميّة لرسم صورة واقعيّة للوضع القائم.
وضمّت الندوة محورين، الأوّل بعنوان “العوامل الطبيعية والبشرية التي أدت إلى انكماش مساحة البحر الميت وانخفاض منسوبه”، والثانية جاءت بعنوان “الأخطار ذات المنشأ الجيومورفولوجي (حفر الإذابة)”.
ابتدأت الندوة بحديث الدكتور علي العنانزة الذي قدّم دراسة علميّة أشرف بنفسه عليها، واضطلع بها الباحث من قسم الجغرافيا هاشم الشريفات، عمدت على تحليل الفيضانات في حوض وادي زرقاء ماعين.
وقال العنانزة إنّ كثيرين يقعون في خطأ تسمية البحر الميت بوصفه أخفض نقطة في العالم، إذ إنّه أخفض نقطة على اليابسة وحسب، وتتمثّل أهميته بكونه عصبًا اقتصاديًّا مهمًّا للأردن وفلسطين.
وأضاف العنانزة بأنّه لا يرى حدوث تغير مناخيٍّ شديد التأثير على العالم، وأنّ التغير المناخي، حسب وجهة نظره، لم يشكّل عاملًا حاسمًا في انخفاض منسوب مياه البحر الميت، بل تعود الأسباب إلى عوامل بشريّة مثل بناء السدود المُشاطئة له والتي بلغ عددها 11 سدًّا، إضافة إلى تحويل وجهة نهر الأردن، وإغلاق الكيان الصهيوني لبحيرة طبريّة.
أمّا الشريفات، الذي حاول بناء عددٍ من السيناريوهات للأوقات المتوقّع أن تسقط فيها الأمطار على حوض وادي زرقاء ماعين، علّق قائلًا إنّ السبب وراء الدّراسة هي الحادثة الأليمة التي وقعت في الوادي نهايات سنة 2018، والتي أدّت إلى غرق مجموعة من أطفال المدارس، عازيًا السبب إلى الهطول الشديد للأمطار في ذلك اليوم، لا إلى فتح بوابات سد وادي زرقاء ماعين كما رُوّج حينها.
في الورقة الثّانية المعنيّة بمراقبة وتحليل التغيرات للبحر الميت باستخدام تطبيقات نظم المعلومات الجغرافيّة والاستشعار عن بعد، والتي قدّمها الدكتور حاسم البلبيسي مُحاولًا حساب مساحة البحر الميّت على فترات طويلة لقياس حجم انخفاض منسوبه.
وقد اعتمد البحث الذي قام به أربع طرق رئيسة لإنجاز المهمّة: باستخدام نظم المعلومات الجغرافية (GIS)؛ باستخدام طريقة التصنيف غير الموجه؛ باستخدام مؤشر الفارق الطبيعي للمياه (NDWI)؛ وأخيرًا باستخدام المؤشر المُعدّل للفارق الطبيعي للمياه.
وأوضّح أنّه وجد أنّ الطريقة الأولى هي الأفضل، بينما تحلّ بعدها الطريقة الأخيرة، مشيرًا إلى أنّ مساحة البحر الميت قد بلغت 594 كم2 تقريبًا هذا العام، بعد أن كانت تبلغ 670 كم2 القرن الماضي.
أمّا الدكتورة يسرى الحسبان، والتي تحدّثت عن المخاطر الطبيعية لانخفاض منسوب مياه البحر الميت: حفر الإذابة مثالًا، قالت إنّ امتياز البحر الميت لا ينبع من كونه مجرّد أخفض نقطة على سطح الأرض، بل إنه ذو علاقة وثيقة بطبيعته الطوبوغرافيّة، ممثّلة ذلك بالفروقات الكبيرة في الارتفاع بين البحر الميت والمناطق المحيطة به، وهو ما لا تتوفّر عليه البحيرات المالحة المنكمشة في أماكن أخرى من العالم.
وقالت الحسبان إن إحدى أكبر مخاطر انكماش البحر الميّت تتمثّل في تشكّل الحفر الانهداميّة، وهي ظاهرة طبيعية تنشأ بفعل عملية التجوية الرأسية، وتؤدي لاحقًا إلى تشكّل تكهّفات سطحيّة بمعدّل واحدة كلّ يوم، والتي قد يصل قطر إحداها إلى 100 متر، ما يجعل منها خطرًا محدقًا.
كما أشارت إلى أنّ أكثر المناطق التي ظهرت فيها حفر الإذابة هي منطقة الغور الجنوبيّ، إضافة إلى تمكّنها من رصد 11 حفرة انهداميّة وحساب مساحتها عن بعد.
بدوره، تحدّث الدكتور نضال الزبون عن أثر انحسار مياه البحر على السياحة، مبيّنًا عدد المزايا السياحيّة الكبير الذي يزخر به البحر الميت ويجعله قبلة مفضّلة للمسافرين، خاصّة في مجال السياحة العلاجيّة. وبعد تبيانه أنّ أوّل استراحة أقيمت في البحر الميت أُنشئت عام 1973، وأنّ أوّل فندق أقيم فيه كان فندقًا علاجيًّا افتُتح عام 1991، وضّح عددًا من الآثار المترتّبة على تراجع مياه البحر، ومنها على سبيل المثال: ابتعاد مياه البحر عن المنشآت السياحيّة، وصعوبة وصول السياح إلى خط الساحل، والاحتماليّة المرتفعة لنشوء حفر هابطة، وتهديد المزارع القائمة في المنطقة، وعزوف المستثمرين، وحاجة المنشآت السياحيّة إلى تجديد بنيتها التحتية باستمرار مع دوام الانكماش الحاصل في البحر الميت.
أمّا عميد كلية الآداب، الدكتور إسماعيل الزيود، فقد علّق قائلًا إنّ تناقص مياه البحر الميّت يشكّل تحدّيًا كبيرًا لا تمرّ به الأردنّ وحدها، بل إنّه حرب عالميّة علينا التصدي لها بكل شجاعة، مشيدًا بدور قسم الجغرافيا بعقد ندوات متخصّصة كهذه، تقرّب العلوم الإنسانيّة من العلوم الطبيعيّة، مضيفًا أنّه يتطلّع على الدوام إلى مزيدٍ من هذه المحاضرات، فيما فيه خدمة ومصلحة الطلبة وكلية الآداب.
ويُشار كذلك إلى فتح باب الأسئلة في نهاية الندوة، ما أتاحَ توسّعًا في النقاش بين الأساتذة المُحاضرين والحضور من أعضاء هيئة تدريس وطلبة.