مهدي مبارك عبد الله - منذ سنوات عدة القادة العسكريين الأمريكيين والإسرائيليين يتبادلون الزيارات الأمنية والعسكرية ويخططون لمناورات مشتركة لمحاكاة هجوم على منشآت نووية إيرانية وفي هذا الصدد وقبل أيام قليلة أعلنت القوات الجوية الأمريكية عن نجاحها في اختبار قنبلة خارقة للتحصينات موجهة بالليزر وهذا النوع من القنابل له أهمية قصوى فهو مصمم لاختراق حواجز صلبة من النوع الذي بنته إيران حول مواقعها النووية المدفون بعضها في أعماق الجبال
تل ابيب من خلال التصريحات المتواصلة لرئيس وزرائها ( نفتالي بينيت ووزير دفاعها بيني غانتس ورئيس جهاز الموساد دافيد برنياع ) لا تخفي استعدادت جيشيها للحرب وتهددها بشن هجوم ضد إيران يستهدف مواقع التخصيب النووية في ( نطنز و قُم ) واي منشآت أخرى ترتبط بالبرنامج النووي اضافة الى مواقع الحرس الثوري ومنظومات الدفاع الجوي ناهيك عن اندفاعها المستمر لتثبيت ما تصفه بالخطوط الحمراء في سوريا واستغلال الفرص لضرب الوجود العسكري الإيراني الذي تصفه بأحد أكبر المخاطر الوجودية والأمنية والعسكرية على حدودها ونذكر هنا بالهجوم الذي شهده ميناء اللاذقية التجاري غربي سوريا بحجة ضرب أسلحة متطورة مهربة من إيران عن طريق البحر ( صواريخ كروز أو طائرات مسيرة انتحارية )
التهديدات الإيرانية ونشر خريطة لمئات المواقع الإسرائيلية ( نحو 300 علامة حمراء لأهداف إسرائيلية ) تقول طهران إنها تستطيع قصفها أثارت استخفافاً وتهكماً في تل أبيب ووصفها خبراء ومسؤولون عسكريون بأنها تدل على صبيانية وعدم جدية
خاصة وان اسرائيل اعتمدت مؤخرا العديد من الخطط العملياتية والتكتيكية الدفاعية الجديدة التي ستتيح لها تطوير قدراتها الهجومية وتوسع مدى خياراتها وزيادة حجم التدريب والتسلح الدفاعي بأنواعه المختلفة من القذائف والصواريخ الاعتراضية الخاصة بالقبة الحديدية والعصا السحرية لمواجهة أي رد حاسم او هجوم سريع من قبل القوات الإيرانية وان أكثر ما يقلق القادة العسكريين الإسرائيليين هو قصر الفترة الزمنية التي تستطيع إيران فيها ضرب تل أبيب ( خلال ساعة واحدة فقط ) يمكنها قصف العديد من الاهداف
لقد اصبح الهجوم الايراني المحتمل حديث وخوف الراي العام الاسرائيلي خاصة عقب تصريح وزير الدفاع بيني غانتس في زيارته الاخيرة لواشنطن والذي قال فيه إنه أبلغ نظيره الأمريكي لويد أوستن أنه أصدر تعليمات للجيش الإسرائيلي بالاستعداد للهجوم على إيران واكد إن إسرائيل لا تزال تنظر إلى الحل العسكري بأنه الخيار الأخير لكن في حال فشل الاتصالات الدبلوماسية الجارية ستضطر اسرائيل إلى إبطال مفعول التهديد الإيراني إذا لم تقم الولايات المتحدة بذلك وهي قادرة على تنفيذ ذلك في عمق إيران كما فعلت من قبل في سوريا والعراق
الغاية الاساسية للهجوم الاسرائيلي ان حصل بالفعل هي محاولة الحاق الضرر الكبير بالبرنامج النووي الايراني بشكل يؤدي لتأجيله او توقفه لسنوات طويلة مقابل ذلك على اسرائيل ان تتذكر بأن القوات الإيرانية قادرة على ضرب أي مكان تريده في العمق الاسرائيلي بما في ذلك تجمعات القوات الاسرائيلية بدقة متناهية في مناطق السلطة الفلسطينية وغلاف قطاع غزة وانها اعدت قائمة طوبلة لاهداف حيوية واستراتيجية ستطالها الصواريخ البالستية الايرانية مباشرة او بواسطة وكلائها في المنطقة
ولهذا على اسرائيل ان تفكر جيدا بعدم التهور والحكم على شعبها بالموت وتدمير مدنها وفي مقدمتها تل أبيب وحيفا اللتان ظهرتا وفق الخارطة المنشورة على رأس الأهداف التي وضعتها إيران لقصفها في الحرب القادمة فضلا عن المستوطنات والموانئ والمطارات وأبراج المراقبة ومحطات توليد الكهرباء وتحلية المياه وأنابيب النفط والغاز ومعامل الصناعات البتروكيماوية والمجمعات الصناعية والمراكز الاقتصادية والتكنولوجية ويمكن القول بأن كل المنشآت والمرافق والوزارات والمصانع والمطارات الموجودة في المنطقة الممتدة من ( نتانيا إلى أشدود ) ستكون تحت مرمى الصواريخ الايرانية التي سبق لها استهداف أربعة مجمعات عسكرية إسرائيلية أساسية في الجولان المحتل
بنك الأهداف الايرانية جاء على شكل مقال بين خريطة فلسطين وعليها مجموعة من العلامات الحمرا شملت عشرات المدن الاسرائيلية نشرتها يوم الاربعاء الماضي صحيفة طهران تايمز في الوقت الذي تجري فيه محادثات فيينا لإنقاذ الاتفاق النووي المبرم عام 2015 وقد شملت منطقة غوش دان المركزية التي من ضمنها تل أبيب وحيفا ومنطقة إيلات والناصرة وقراها وبلدات عربية في المثلث والنقب وكذلك بعض المستوطنات الإسرائيلية في مناطق في الضفة الغربية المحتلة والمدن والبلدات الاسرائيلية المحاذية لحدود غزة وسوريا ولبنان
وقد تناولتها الإعلام العبري بشكل واسع خاصة بعد الضربة الجوية التي وجهتها إسرائيل مؤخراً في سوريا والتي كانت تستهدف مخازن للسلاح الكيماوي كخطوة مهمة لمنع النظام من السوري من صنع سلاح كيماوي وهي في الحقيقة لم تكن سوى رسالة من تل أبيب إلى طهران في ظل استمرار المفاوضات في فيينا للتوصل إلى اتفاق نووي جديد ( حسب زعم صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية )
ايران لن تبدأ حرباً وأستبعد أن تقدم أميركا على حرب على إيران وسيعمل الطرفان بقوة لعدم التدحرج الى الحرب وطهران لا تقلل من شأن تهديدات العدو الاسرائيلي لكنها تثق بقدراتنا على الردع ومستعدة لأصغر التهديدات ولن تقف مكتوفة الأيدي إذا ما استهدف برنامجها النووي وسوف تسعى إلى تجهيز البنية التحتية الملائمة للحرب على إسرائيل ليس من طهران فحسب إنما قد تستعين بوكلائها من حزب الله في لبنان وحماس والجهاد الإسلامي بقطاع غزة والحوثيين باليمن والجماعات الموالية لها في سوريا والعراق لإشعال الجبهات كلها بهجمات صاروخية استراتيجية كثيفة وسريعة وشديدة ومتعددة تشل قدرة اسرائيل على المواجهة ةالصمود
في المقابل لا تزال إسرائيل متمسكة بمواقفها وقراراتها بأنها لن تسمح بأن يأتي اليوم الذي يمكن أن تقصف فيه بالسلاح غير التقليدي سواءً كان كيماوياً أو بيولوجياً أو نوويا و وهي تكرر مرارا إنها تحتفظ بالحق في ضرب المنشآت النووية وتعارض عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق دون ضمانات وإذا كان المطلوب منع طهران من التسلح بأسلحة نووية فان الخيار العسكري ضد إيران ليس الخيار الأفضل بالنسبة لإسرائيل حيث يوجد الآن أدوات أخرى يمكن الاستعانة بها وربما تكون أكثر فاعلية
وسط ذلك جاءت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك التي نشرت مؤخراً في صحيفة هآرتس الاسرائيلية تشير إلى أنه يتوقع بأن لا يزيد عدد القتلى في إسرائيل خلال اي معركة مع إيران عن حاجز 500 قتيل لكن هذه التصريحات لم تلق قبولاً لدى الأوساط العسكرية والأمنية حيث عقب عليها رئيس جهاز الموساد السابق ( مائير داغان ) بالقول هذه الحرب سوف تحصد أرواحاً كثيرة وتشل اشكال الحياة وإنه في حال قررت إسرائيل قصف إيران فإنها سوف تجر المنطقة إلى حرب إقليمية إيران لن ترد وحدها بل سيتضامن معها كل من حزب الله في لبنان وحماس في قطاع غزة وربما يشارك في الحرب الجيش السوري ايضا
امام كل ذلك تساءل الكثيرون هل إسرائيل جاهزة فعلا لخوض حرب إقليمية يستمر فيها استهدافها من كل مكان من الجنوب والشمال والشرق وبشكل يومي وعبر جبهات قصف عنيف بآلاف الصواريخ الدقيقة المحملة بمئات الكيلوغرامات ( تقدر بثلاثة آلاف صاروخ في اليوم الواحد ) بالإضافة الى مئات الطائرات الانتحارية بدون طيار والقنابل المتفجرة التي ستلقى على مناطق مدنية وأهداف استراتيجية من أبعاد مختلفة منها من بعد مئات الكيلومترات ناهيك عن سقوط العديد من القتلى والجرحى
أكثر من 200 ألف صاروخ من مختلف الأحجام موجهة في الوقت الحالي على أماكن إقامة الإسرائيليين والأهداف الاستراتيجية لتل أبيب وأن البنية التحتية العسكرية والمدنية الحيوية ( أنظمة الطاقة والموارد الطبيعية والكهرباء والوقود والغاز والمياه والمواصلات والاتصالات والصحة العامة ) جميعها ضمن دائرة التهديد الصاروخي لإيران وربما تكتفي ( ايران بضربة واحدة قوية ) ضد إسرائيل لأنها ستؤدي إلى النتائج المرجوة بحكم ان الصواريخ التي تنتجها وزارة الدفاع الإيرانية تمتاز بالدقة في إصابة الأهداف ويمكن إطلاقها من منصات برية أو بحرية ثابتة او متحركة نحو الاهداف القريبة والبعيدة
ان معروف عسكريا ان معظم كتائب الجيش الاسرائيلي تعاني من ضعف الروح المعنوية والاهمال خاصة القوات البرية منها ولهذا فانه لا يمكن الاعتماد على سلاح الجو وحده كذراع استراتيجي من أجل تحقيق الانتصار في المعركة وهذا ما أثبتته الحرب الأخيرة على غزة حيث شاركت فيها معظم مقاتلات سلاح الجو التي استهدفت مواقع لحماس وفصائل فلسطينية اخرى من خلال إطلاقها مئات الصواريخ التي تجاوز ثمنها المليارات ولكن رغم كل ذلك لم تستطع إسرائيل وقف إطلاق الصواريخ من غزة على مناطق إسرائيلية حيوية
كل التقارير الامنية والعسكرية تشير ان إسرائيل ليست جاهزة لخوض غمار حرب إقليمية وهنالك اعتقاد أنها لا تعمل من أجلها بشكل جدي وهي لا تملك صواريخ تكفي وخاصة صواريخ أرض- أرض ولم تستطع وقف صواريخ حماس والفصائل الاخرى في معركة سيف القدس الأخيرة فماذا بالنسبة لمواجهة صواريخ اكبر وادق سوف تهطل عليها من جهات متعددة بشراسة وقوة
من اجل ذلك اعتبر تصريح رئيس جهاز الموساد الاسرائيلي ( دافيد برنياع ) الذي قال فيه ( الموساد يتعهد بأنه لن يكون في أي يوم لإيران سلاح نووي ) محل سخرية وتهكم وقد أكد بعض الخبراء أن هذا تصريح عديم المصداقية وصبياني وشوفيني وضيق الأفق في صياغته وتوقيته
وان كل من يسمع مثل هذا التصريح ولديه خبرة قليلة في شؤون الذرة وإيران يعرف أنه لا أهمية له وان الجاهل فقط يمكنه أن يصدق بأن هنالك قوة خارجية اين كانت سواء وكالة استخبارات الموساد أو السي آي ايه أو سلاح الجو او باقي قطاعات الجيش يمكنها منع السلاح النووي عن دولة يعيش فيها 85 مليون وتوجد لها بنية تحتية نووية وصناعية شارفت على مراحلها الاخيرة
mahdimubarak@gmail.com