حسن محمد الزبن - نحن على موعد مع العطش "عطشا حقيقيا" لا نعرف مقداره، لكنه ينتظرنا نحن الأردنيين، أسرّ به لنا رئيس الحكومة، وقال نائب مستمزجا إعلان النوايا مع الكيان الصهيوني " اذا قطعوا عنا الماء نقطع عنهم الكهرباء" وكأنها فتوى سياسية لتبادل المصالح، وآخرين شرقوا وغربوا، وغابت الرؤى الاستراتيجية، وغيبوا النهج والثوابت، ومنهم من كان حاسما برأيه ضد إعلان النوايا، رافضا للخيبات ومسلسل الطامات الكبرى، ويجب تفويت الفرصة على الكيان، ولا مكان للطم والردح السياسي، ويرون أننا نقف على أرض صلبة، وقادرين على تجاوز المحنة.
ويبدو أن الأمر محسوم للشعب، والشارع؛ عبر عن رأيه الرافض بقوة لإعلان النوايا المزعوم، فما عاد بحاجة لشربة ماء تروي الضمأ، ببساطة شعب جائع حسب تقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) يقول أننا الدولة الثامنة في حقل الجوع عربيا،حقا.. ليس بحاجة ما يكفي الضمأ، يبدو أننا مغيبون عما نحن فيه ولا نعلم إلا من التقارير الدولية والأممية خصوصيتنا، وقد قلنا سابقا بضرورة المكاشفة بين الحكومة والشعب، ولا بدّ من الشفافية في طرح كل ما يخص الوطن على الملأ، وبالعلن قبل أي جهة خارج الوطن، ويجب هدم كل التناقضات والوصفات السحرية التي تحاول العبث بعقول الناس، فالعقول لديها نضج سياسي عالي، ولديها استقراء، ولديها قيم وثوابت وعادت وتقاليد لا تخرج عنها حتى لو ماتت عطشا.
يجب تغيير الخطاب السياسي، فالشعب ليس مدفن أو مقبرة لأخطاء الحكومات، ويجب أن تتوائم التصريحات من مصادر نبع القرار السياسي، دون تزويق ومكياج لتلقى قبولا عريضا، الرؤية الوطنية الثابتة لا خيارات طارئة تفتتها، أو تنال منها، ويجب المحافظة على الإرث الوطني من أي هبة ريح غاشمة، وأي يد مسمومة هدفها النيل منا.
وأمام المصلحة الوطنية العليا الأصل تتوحد رؤانا وأصواتنا حكومة، وبرلمان، وشعب، وأن لا يُغني كل على ليلى تخصه وحده، وأن نجتمع على حب الأردن، ونجتمع على حب فلسطين، ولا مكان لحب -إسرائيل، والأمثل أن نضع هذا الإعلان"النوايا" خلف ظهورنا، فالنوايا المعلنة غير التي في بطن الكيان، حتى وإن كان الظاهر "حسن النوايا"، ونعمل جاهدين لخلق بدائل يمكن دراستها، فهناك المشروع الوطني الاستراتيجي المعلن عنه فيما مضى "ناقل البحرين،الاحمر – الميت"، وتحليتها ونقلها الى الأراضي الأردنية، وأن نضبط الفاقد من المياه المهدور والمعتدى عليه، وبدائل يعرفها أهل الإختصاص من الخبراء في هذا المجال يمكن العمل عليها.
فجلسة النواب تحت القبة تابعناها عموما، وعبر نواب الوطن وأدلوا بآرائهم، وكذلك كان صوت الحكومة مسموعا، وكان الاشتباك السياسي بين الحكومة والنواب متوافقا مع أجواء الجلسة، ومتوافقا مع أدبيات الحوار الوطني، وإذا كان هناك قرار بالموافقة على "النوايا"، فالتاريخ وحده سيحكم على رجال المرحلة من الحكومة والنواب، والتاريخ الماضي لا زال حاضرا للأجيال وأسماء النواب اللذين أقروا وصوتوا بموافقتهم على معاهدة وادي عربة معروفون، والرافضون لها ، وأيضا المستنكفون والمحايدون، ورغم إبرامها بقي الأردن قيادة وشعبا الداعم للقضية الفلسطينية والمطالب بحقوق الشعب الفلسطيني على أرضه في كل المحافل الدولية.
وللسياسة ما لها، فرغم الخصومة والعداء والدم الذي بذل رخيصا لأجل فلسطين، وثمنه دم الشهداء من جيشنا العربي، إلا أن هناك من يرى مصلحة وطنية تبناها صناع القرار لأخذ ما يناسبنا وترك ما لا يناسبنا، رغم الرفض المعلن للتطبيع ، ولظروف سياسية واقتصادية يعيشها الأردن، وحال دول صديقة وحلفاء الجوار الذي لم يعد بالإمكان المراهنة عليه، وتخليهم عن التزاماتهم تجاه الأردن كالسابق، في حين كان العراق لا يتوان عن مد العون والمساعدة في كل الظروف والمحن ويعتبر حليف استراتيجي وقوي، حتى اتفاقنا مع سوريا بخصوص حاجتنا من المياه لم يتحقق لغاية لحظة أزمتنا هذه، مما دعا ذلك ليكون حجة للقبول والتعامل مع -إسرائيل-، على ما فيه من تأثير على مقومات الأمن الوطني الأردني، ففي حين يفترض أن نُفقده الطاقة نعمل على تعزيزه بها، ليبني ويعمر ويتسلح ويضاعف قوته ليكون في قابل الأيام مُهددا لنا في وجودنا، والتنطح على سيادتنا، والتجاوز على اقتصادنا ومواردنا لتحقيق حلمه الواسع الذي يسعى إليه (دولة اسرائيل الكبرى)، والأولى حفظ ماء الوجه ورفض إعلان النوايا بحجة الرفض الشعبي والبرلمان لها، وهذا برأيي تصحيح المسار ورفع الحرج عن الحكومة والدولة، حتى لا نقع بأيام مقبلة لمغبة اتفاقات أخرى تحت الضغط والمماحكة الدنيئة ندفع ثمنها أضعاف فائدتنا من هذا الذي يسمى إعلان النوايا.
ويجب إدارة ملف العلاقات مع اسرائيل بتخطيط ودراسة عميقة، فالشعب الأردني وإن وافق النواب على إعلان النوايا، فموقفه لا يتغير، وسيبقى رأيه في التعامل مع الكيان الصهيوني مسألة مرفوضة، والقبول به بمثابة خصومة مع الله لا يقبلها، وجحود لتراب الوطن والدماء الزكية التي روت الأرض المقدسة.
حمى الله الأردن.. وحمى الله أرض العروبة فلسطين.. من كيد الغادرين