زاد الاردن الاخباري -
يُلِحُّ أهل المعرفة والدرايةِ على تبني استراتيجية وخطط طموحة للارتقاء بمستوى اللغة العربية، وتوثيق صلاتها بفروع المعرفة المتعددة، باعتبارها ركنا من أركان التنوع الثقافي للبشرية، وعمادة التماسك والانسجام المجتمعي، وأداة للتفكير والتعليم والتعلّم.
منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) اشارت عبر موقعها الالكتروني إلى أن اللغة العربية ُتُعد إحدى اللغات الأكثر انتشاراً واستخداماً بالعالم، إذ يتكلمها يومياً ما يزيد على 400 مليون نسمة من سكان المعمورة.
وقال عضو مجمع اللغة العربية الأردني الدكتور إبراهيم بدران لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، إن اللغة ليست مجرد أداة تواصل عادي والاهتمام بها ليس موقفا عاطفيا، انها القاطرة الرئيسية للعلم والفكر والثقافة والتكنولوجيا، وهي عمادة التماسك والانسجام المجتمعي والركن الأساسي للتعليم والتعلم. وبين أن القيمة الاقتصادية للغة ضخمة تتجاوز مئات الملايين من الدنانير سنويا، اذ لا يمكن ان تنقل العلوم والتكنولوجيا بمفهومها التطبيقي إلى شرائح المجتمع من العالِم إلى الفني ومن الطبيب إلى المريض ومن المعلم إلى الطالب، ومن الكتاب إلى القارئ دون التمكن من اللغة، فاللغة الصحيحة هي ركن من أركان الإبداع والتقدم، بحسب بدران.
وشدد على أهمية إدراك الشباب لدور اللغة وأهميتها في الحياة، موضحا أن صفحات التواصل الاجتماعي باتت للأسف تتضمن في الكثير منها جملا قصيرة بالعامية، ما يشجع الشباب على الاستمرار في هذا الاتجاه. وأضاف أن اللغة ليست مجرد قصص وادب وشعر وقواعد وانما هي أداة للتفكير والتعليم والتعلم، وعلى المدرسة أن تؤكد أهمية اللغة، وعلى الجامعة كذلك على حد سواء، في زمن سيطرت عليه آليات التعلم عن بعد، وعلى الشاب أن يكون ملمّا ومسلّحا بمهارات اللغة، لضمان الاستيعاب والفهم الجيد لمواده الدراسية بما يؤدي إلى نجاحه في حياته العلمية والعملية.
النائب السابق نبيل غيشان قال، إنه من الجميل أن تخصص الامم المتحدة يوما للاحتفال باللغة العربية منذ عام 1973، فاللغة كائن حي يتطور وهي وعاء الثقافة والمعرفة، وبدونها لا يمكن للأمم ان ترتقي.
وأوضح أن ميزة اللغة العربية أنها لغة مقدسة جاء بها القرآن الكريم وهي لغة 95 بالمئة من كنائس المنطقة العربية، مبينا أنه انتهى وقت استهداف اللغة العربية ولم يعد أي تهديد موجود إلا من ناحية البقاء في نفس المكان. وبين غيشان أن المطلوب من الدول العربية وجامعاتها تطوير المحتوى العربي على الشبكة العنكبوتية، ولاسيما انه ما زال فقيرا وينحصر في اغلبيته بالمسائل الدينية والباقي يتوزع على الثرثرة التي لا فائدة منها، مشيرا الى ان إثراء المحتوى الالكتروني باللغة العربية، فيه تطوير للغة وزيادة للمعارف المختلفة وتعميم للفائدة المطلوبة. وقال الخبير اللغوي الزميل محمد خير بشتاوي، إن اللغة هي وعاء الفكر، وأداة التعبير والتواصل والتفاهم بين الناس؛ التي توثّق صلاتهم وروابطهم، وتشدّ وحدتهم، وهي مستودع ذخائر الأمّة وتراثها، وعبرها تتحدّد قسمات شخصيّتها، وهي الوطن الثقافي الذي يصنع الوجدان، ويحرّك التفكير، ويغيّر السلوك، ويسهّل تبادل المعارف وتلقّي العلوم. ودعا بشتاوي الامة العربية لتكون منتجة للمعرفة بلغتها الأم، مع المحافظة على مقومات هويتها التي تقوم على هذه اللغة، التي تحتاج إلى إعادة توصيف لنظامها بطريقة رياضية دون التفريط بمقوماتها، موضحا ان حماية اللغة العربية لن تتم برفع الشعارات والارتكان إلى العاطفة، بل لابد من بذل مجهودات علمية ملموسة في هذا الشأن، ومنها استعمال الأدوات الحديثة التي توفرها لنا التكنولوجيا حتى نُعرّف العالم كله بهذه اللغة التي تعد الأكثر استجابة لمتطلبات العصر والتقنيات الجديدة من نظيراتها من اللغات الأخرى. وشدد بشتاوي على ان تلتزم الوزارات والمؤسسات الرسمية، والتعليمية في جميع مراحل التعليم، باستعمال اللغة العربية في جميع ما يصدر عنها من أنظمة وتعليمات ووثائق وعقود ومعاملات ومراسلات وتسميات وبرامج ومنشورات وإعلانات، داعيا الى زيادة عدد المختصين بهندسة اللغة العربية التخصص الذي يبحث في الإمكانات والوسائل التي من شأنها أن تجعل اللغة العربية تتجاوب مع مستجدات التكنولوجيا والتقنية الجديدة، وبالتالي نقل المجتمع العربي إلى ما يسمى اقتصاد المعرفة، كي لا يبقى مجرد مستهلك لما تقدمه لنا اللغات الأخرى الأجنبية.
وحث خبراء اللغة العربية على توحيد مصطلحاتها في مجال الفكر والثقافة، وتحديد رؤية واضحة ورسالة محددة، تعبر عن الهوية الثقافية العربية، حتى يكون لفكر العربية كيان مميز فكريًّا، متماسك الهوية يقوى على المواجهة، وقادر على التأثير في الآخر. وطالب بشتاوي بتوثيق صلات اللغة العربية بفروع المعرفة المتعددة، مثل الإعلام، والسياسة، والاجتماع، والفلسفة، وكل نواحي المعرفة الإنسانية والعلمية، ومواكبتها لحركة التقدم بكل جوانب المعرفة والمصطلحات العلمية تعريبًا وترجمة حتى نستطيع مواكبة التقدم في العالم. وركز على اهمية تبني الجامعات استراتيجية وخططا طموحة للارتقاء بمستوى اللغة العربية بوضع مناهج مشوقة تجذب الطلاب إلى دراسة اللغة بحب واهتمام، داعيا الى أن تتناسب مناهج اللغة العربية مع جمالياتها وأسرارها الإبداعية. كما شدد على أن تتبنى وسائل الإعلام العربية اللغة الاعلامية التي تمتاز بالمرونة التي تجعلها تنبض بالحياة، وتحقق الترجمة الأمينة للمعاني والأفكار، والاتساع للألفاظ والتعبيرات الجديدة التي يحكم بصلاحيتها الاستعمال والذوق والشيوع، بعيدا عن التقعر واستخدام المهجور من المفردات والتراكيب، لمواجهة ما فشا من اللهجات العامية والمحلية في الإعلانات والصحافة و الإذاعة والتليفزيون والفضائيات، ووسائل التواصل الاجتماعي. وأكد انه رغم التحديات التي تواجه اللغة العربية في العصر الحديث مثل العولمة والعامية وقلة الاستعمال ومزاحمة اللغات الأجنبية واللهجات لها، إلا أنها لديها من عوامل الصمود والتحدي، ما يجعلها قادرة على أن تفرض نفسها على الصعيدين المحلي والدولي، بتوفير بنية تحتية اقتصادية تمكِّن من تحقيق التخطيط اللغوي والسياسات اللغوية السليمة، وبنية فوقية سياسية تملك سلطة القرار الذى يُمكِّن للغة ويحميها من الإقصاء أو التهميش، وبنية داعمة فكريًّا لربطها بالفكر وقضاياه. يشار إلى أن إدارة الأمم المتحدة للتواصل العالمي اعتمدت 18 من كانون الأول، يوما عالميا، لإذكاء الوعي بأهمية اللغة العربية، وإدراجها ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة.
(بترا)