رحلت المناضلة الحقوقية، أسمى خضر، وكما قال الشاعر الخالد محمود دروريش «الموت لا يوجع الموتى.. الموت يوجع الأحياء».
كانت أسمى مدافعة حقوقية استثنائية، وفي كل مكان حطت فيه رحالها تركت بصمة لا تُنسى، وحتى آخر يوم قبل مرضها ظلت في الميدان، تذود وتدافع عن العدالة والكرامة الإنسانية.
عرفت أسمى خضر قبل 31 عاما، كنت عائدا من الكويت بعد سنوات قليلة من العمل بصحافتها، وكانت محامية وحقوقية لها سجل حافل في الدفاع عن المناضلين السياسيين إبان الأحكام العرفية، فقد عرفت بتطوعها أمام المحكمة العرفية العسكرية دفاعا عن السجناء من مناضلي ومناضلات الأحزاب في سنوات العمل السري، وكانت شجاعة في مواجهة الاستبداد حين كان الآخرون يهربون.
في بدايات التحول الديمقراطي عملنا جنبا إلى جنب بتأسيس منظمة العفو الدولية «الفرع الأردني/ المجوعات الأردنية»، واستطعنا بجهود ذاتية إنشاء مقر للمنظمة الدولية بتبرعات من الناس، وتمكنا من أخذ ترخيص رسمي من الدولة لمزاولة عملها.
طوال أكثر من ثلاثة عقود كنا نتحرك في الفضاء ذاته، اختلفنا واتفقنا، وبقينا صديقين ورفيقين دون خصومات، نخوض معارك حقوق الإنسان كتفا بكتف.
في كل مكان يمكن أن ترى أثرا لأسمى، فحين عاد اتحاد المرأة للعمل بعد سنوات طويلة من الإغلاق ترأسته لأعوام، وبثت فيه روح العمل والنشاط، والأمر ذاته ينطبق على اللجنة الوطنية لشؤون المرأة حين أصبحت أمينة عامة لها.
كانت حاضرة في زمن الأحكام العرفية، وكانت في مقدمة الصفوف في لجنة الميثاق الوطني الذي أسس للتحول الديمقراطي عام 1990، وبنت مداميك الحقوق والحريات.
في جلسات مع أسمى كانت تبوح بحبها للإعلام، وتستعيد سنوات سبقت عملها في المحاماة، حيث مارست الصحافة، وقربها من وسائل الإعلام مكنها من معرفة أكثر لاحتياجات الناس، وأضفى على شخصيتها مرونة وحيوية.
إسهاماتها في خدمة حقوق الإنسان متعددة، فقد كان لها دور ريادي في تأسيس مجموعة القانون من أجل حقوق الإنسان «ميزان»، وبعدها وحتى رحيلها ظلت قائدة معهد تضامن النساء.
تخطت مكانة أسمى خضر الحقوقية حدود المحلية، وعرفت إقليميا ودوليا، ولسنوات ظلت مديرة مؤسسة الحق في فلسطين، وكان لها دور في فضح انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، وكشف سياساته في الفصل العنصري.
ومثلما كانت أسمى حاضرة في بدايات التحول الديمقراطي في لجنة الميثاق الوطني، كانت من الشخصيات التي اختيرت في لجنة الحوار الوطني في بداية ما سُمي «الربيع العربي»، وكان صوتها قويا ومختلفا في التعديلات الدستورية، وخاصة تلك التي تحاول أن تْعلي من مكانة المرأة في المجتمع، وتزيل أشكال التمييز كافة ضدها.
في عام 2003 أصبحت أسمى خضر وزيرة دولة وناطقا رسميا باسم الحكومة، وتسلمت بعدها حقيبة وزارة الثقافة حتى 2005، والحقيقة أن مكانة أسمى أسبق بكثير من تقلدها موقعا وزاريا، وهذه المحطة ليست الأهم في تاريخها، وسيرتها المهنية.
حين فكرنا في تأسيس تحالف يجمع مؤسسات المجتمع المدني الحقوقية عام 2015 للتصدي للاستهدافات، لم تتردد لحظة في أن تكون من مؤسسي هيئة تنسيق مؤسسات المجتمع المدني «همم»، وظلت مواظبة على حضور اجتماعاتها، ومبادرة في تقديم أفكارها ليظل هذا التحالف حالة حقوقية متقدمة، وقاطرة تقود العمل المدني في الأردن.
أتذكر آخر رحلة ترافقنا فيها معا إلى جنيف في زيارة استباقية للتحضير للاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان عام 2018، كانت أجندتنا حافلة، وكنا نتنقل معا من اجتماع لآخر بصحبة مجموعة من الزميلات والزملاء، وخلال مسيرنا سقطت أسمى، ونقلناها فورا للمستشفى، واكتشفنا أن كتفها قد تعرض لكسر.
أصرت أسمى على مواصلة عملنا واجتماعاتنا، وفي رحلة العودة بقيت إلى جوارها من جنيف، إلى إسطنبول، إلى عمان، وستبقى هذه الرحلة بتفاصيلها الإنسانية، وابتسامة وضحكة أسمى ملازمة لي، ولكل رفاقها ورفيقاتها الذين كانوا معنا.
أسمى خضر سنديانة شامخة، ومنارة وأيقونة لكل المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، وأسمى غاية لنا تخليد إرثها ليظل مُلهما لكل الحركة الحقوقية في بلادنا.