مكرم أحمد الطراونة - درجة عالية من الإحباط يعيشها المواطن الأردني وهو يرى أمامه المعيقات نحو الإصلاح والتغيير تزداد يوما بعد يوم، فتارة نتلمس ذلك في فشل المسؤولين في القيام بمهامهم على أكمل وجه، وتارة أخرى يعبث التردد والخوف واللامبالاة والانهزامية في منظومة التحول التي نأمل أن يشهدها البلد. وكنتيجة حتمية لكل ذلك فإن شيئا لا يتغير حتى الآن!
الخراب لم يعد يتوقف عند هذا الأمر، فما ان بدأت قاطرة الإصلاح بالإقلاع التدريجي، حتى ظهرت أصوات نشاز عديدة تحاول جهدها إبطاء هذه القاطرة التي بدأتها اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، والتي صاحب إعلانها هجوم بهدف إفشالها، وهو الأمر الذي استمر لما بعد إكمالها للمهام المطلوبة منها، ووصولا لمناقشتها في مجلس النواب، وما رافق ذلك من بروز أجندات واضحة لتيارات وشخوص ترفض ذلك، وكأنها نصبت نفسها وكيلا عن الأردنيين جميعهم وتتحدث باسمهم.
في أعتى الدول ديمقراطية لا يمكن لأي طرف من الأطراف السياسية وأصحاب رأس المال الوصول إلى كامل القائمة المطلوبة، وتحقيق جميع خططهم، والمحافظة على جميع المكتسبات، إذ يؤمن هؤلاء بأنهم ليسوا وحيدين في الساحة، وأنه ثمة شركاء لهم، حتى لو كانوا من مخالفيهم، لذلك فهم يؤمنون بأن الخسارة الجزئية أمام هؤلاء، هو ربح نهائي للوطن، فتجدهم يتقبلون الخسارة ولا يلهثون وراء قاعدة “علي وعلى أعدائي”!
للأسف، الفكر السياسي في الأردن لم يبلغ بعد هذه المرحلة من النضج، وفي الوقت الذي نسارع فيه لانتقاد رفض الشارع عبر مواقع التواصل الاجتماعي لكل شيء، وننبذ التنمر واغتيال الشخصية ونظرية المؤامرة، يصر سياسيون وحزبيون على ممارسة نفس الدور سعيا منهم لتحقيق رؤاهم ومصالحهم على حساب الدولة.
الخطورة التي يجب أن يدركها الجميع بأن كل ذلك يأتي بالتزامن مع أجندات خارجية تسعى جاهدة لاستهداف المملكة داخليا من خلال استغلال قضايا مصيرية تمس المواطن، ناهيك عن التحديات التي تحيط بنا من كل جانب، لذلك بتنا محاصرين؛ داخليا وخارجيا!
ربما يظن أحدهم أن هذا الكلام يأتي من باب المبالغة في الطرح ومحاولة عكس صورة سلبية عن الأوضاع في الأردن، لكن المتتبع لتطور الأحداث في المنطقة وانعكاساتها على الداخل الأردني سيؤمن أن هناك ما يدور في الفلك، وإن لم يمس المملكة بصورة مباشرة فإنه سيترك أثرا ما، وأنه يمكننا تجاوزه بتمكين الجبهة الداخلية والعمل بتشاركية وتقديم تنازلات متبادلة.
جلالة الملك، في لقائه رئيس مجلس الأعيان ورؤساء اللجان بالمجلس أمس، شدد بلغة مليئة بالإرادة والتحدي على أن “الأردن ماض في مسيرة التحديث السياسي، دون تردد أو خوف”، مؤكدا أن “ثمة أطرافا تريد لمسيرة التحديث أن تفشل، لكننا واثقون من النجاح بإرادة الأردنيين”.
في الجلسة ذاتها، لم يتردد الملك بالتأكيد على ضرورة التصدي للبطالة عبر اتخاذ قرارات وطنية شجاعة وتحقيق تعاون مثالي بين القطاعين؛ العام والخاص. الجميع يعلم جيدا أن ارتفاع نسب البطالة من أكثر الملفات خطورة، وهي توفر أرضية خصبة لأطراف عديدة للعب دور غير مرحب به في هذا البلد، الذي للأسف لم يتمكن أبناؤه حتى اليوم من الالتفاف حوله وتقديم المصلحة العامة على حساب المصلحة المرتبطة بالفكر، أو الانتماء السياسي، أو رأس المال.
من لا يرى المخاطر التي تعصف ببلدنا، هو بلا شك يغمض عينيه عن الحقيقة عامدا. لذلك، فالمصلحة الوطنية تقتضي اليوم أن يتوقف البعض عن تصنيع الخراب وتكثيره، وأن يصعدوا في قاطرة الإصلاح التي ستسير رغما عنهم، ولكن نحن نمنحهم فرصة لكي يكونوا شركاء حقيقيين في الوطن، لا دعاة فرقة وظيفتهم وضع العصي في الدواليب.