لا يتخيل أحد الى اين وصلنا هذه الايام، إذ بدأنا نشهد ظاهرة جديدة في الاردن، على صعيد ملف الفساد، حيث يطلب من يتم اتهامهم بالفساد، اثبات براءتهم، في وجه حملات اتهامهم بالفساد.
شهدنا ثلاثة حالات متتالية وخلال اسبوعين، قام اصحابها بمخاطبة هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، من اجل التحقيق في الاتهامات الموجهة اليهم، بالفساد، طالبين اثبات البراءة، بعد ان تم اتهامهم بطرق مختلفة، بالتورط في الفساد المباشر، او المالي او الاداري، عبر الحصول على مكتسبات مالية بشكل غير قانوني، او مبالغ فيه، أو يستند الى اساءة استعمال السلطة اساسا.
كنا سابقا نسمع عن تحقيق هيئة النزاهة ومكافحة الفساد في بعض الملفات التي توصلت اليها، ونسمع احيانا عن احالات من جانب الحكومة لبعض الملفات، لكننا لاول مرة نسمع من يتم اتهامهم يبادرون ويطلبون التحقيق في الاتهامات الموجهة اليهم، عبر كتابتهم لمخاطبات شخصية او رسمية موجهة الى الهيئة يطلبون فيها اثبات البراءة من الاتهامات.
هذه حالة فريدة، لان هؤلاء يعانون من الاتهامات، ويريدون اثبات العكس، في ظل حملات يتم شنها ضد هذا او ذاك، فيصير مطلوبا من المتهم ان يثبت براءته عبر تطوعه مباشرة وطلبه من المختصين فتح الملف والتحقيق معه، من اجل اثبات براءته، من كل ما يتم نسبه اليه.
هذا انقلاب في الدور، ويؤشر على ان الاتهامات بالفساد باتت كثيرة، واحيانا تحرق الاخضر واليابس، وتمتد الى فاسدين، او ابرياء، والرأي العام في الاردن لا يميز بين المعلومة والاشاعة، فيعاني من يتم اتهامه بالفساد، من تلطيخ سمعته، ويسعى بكل الطرق الى اثبات انه بريء.
سابقا كان يتم التحقيق في الفساد عبر آليات محددة، لكن ان نشهد ثلاثة حالات متتالية لاشخاص تم الحديث عنهم، يهرعون الى هيئة النزاهة ومكافحة الفساد من اجل اثبات زيف الاتهامات فهذا امر جديد، يثبت من جهة ان الاتهامات قد تكون باطلة او باطلة جزئيا او صحيحة، والامر متروك للجهات المختصة من اجل الوصول الى نتيجة حاسمة ومحددة.
احدى ابرز المشاكل التي نعيشها، كثرة الاتهامات بالفساد، بعضها صحيح، وبعضها غير صحيح، وتلطيخ السمعة سهل بسبب وسائل التواصل الاجتماعي، او حتى بث المعلومات الكاذبة عبر مجموعات الواتس اب، او اي وسيلة ثانية، ولا تنفصل هذه الاتهامات في حالة عدم صدقيتها عن الدوافع الشخصية، من احقاد، او تصفية حسابات، وقد ابلغني رئيس سابق لهيئة مكافحة الفساد ان الهيئة تلقت في احد السنين مئات الشكاوى الكيدية، التي ثبت عدم صحتها، بما يضيع وقت الهيئة، ويثبت ان الدافع الشخصي والانتقامي كبير، خصوصا، داخل الادارة الحكومية.
لا يمكن هنا من جهة ثانية ان ننكر وجود فساد اضر بهذه البلاد، وادى الى تبديد المال، سواء عبر الرشى، او السمسرة، او سوء ادارة المال العام، وغير ذلك من قصص السرقات المثبتة، والرأي العام في الاردن يعتبر ان الفساد هو الذي اوصل الاردن اقتصاديا الى هذه الدرجة، وهو رأي لا يلام حين يرى مستقبله غامضا، وان امواله وموارده يتم نهبها جهارا نهارا، او بطرق مختلفة.
نحن نسير على حبل مشدود في هذا الملف، فالبعض يقول لك ان كثرة الكلام عن الفساد، يشوه سمعة البلد، بسبب المبالغات، وان هناك اجراءات لمحاربة الفساد، والبعض الاخر يقول لك ان الفساد بات كبيرا ولا يمكن كبحه او مقاومته، ويأتيك فريق ثالث ويقول ان الفاسدين عباقرة واذكياء ولا يتركون دليلا خلفهم، بل يغطون فسادهم بطرق قانونية تمنع اكتشافه، وفي كل الاحول فإن هذا الملف يعد الاكثر اثارة للحساسية بين الناس والمؤسسة الرسمية في الاردن.
ظاهرة لافتة الانتباه ان يلجأ من يتم اتهامه في قضايا مختلفة، بنفسه وعلنا الى مكافحة الفساد، من اجل الحصول على صك براءة، بعد ان امتزج الكلام عن حالات فساد حقيقية، مع حالات يتم تزويرها من اجل حرق سمعة الاشخاص، وبينهما لا بد من طرف فاصل وفاعل وسريع، يمنع هذا الاختلاط، ويكون سريع التدخل، والحسم، في هذه الملفات الحساسة، بدلا من ترك المتهم في حالة رجاء من اجل اثبات براءته من الفساد، فنحن امام ظاهرة فريدة في شرق المتوسط.