سلامة الدرعاوي - في أحدث تقرير لصندوق النقد الدولي الخاص بالمراجعة الثالثة مع الحكومة، أوصى بضرورة ان تكون هناك إدارة ونسب ضريبيّة موحدة لمنطقة العقبة الاقتصاديّة الخاصة مع باقي الأنظمة المحليّة المعمول بها في المملكة، بمعنى توحيد الضريبة والجمارك.
هذا الأمر يجب ألا ينطبق فقط على العقبة الاقتصاديّة الخاصة، فالأمر يجب ان يطال كل المملكة، فليس من المعقول ان يكون باقتصاد صغير مثل الاقتصاد الأردنيّ عدة مناطق تتناقض فيها الإدارات الضريبيّة والجمركية، فهذا بحد ذاته توسع واضح، ومنفذ جديد للتهرّب الضريبي والجمركي، ناهيك من انه لا يحقق أي قيمة مضافة للاقتصاد الوطنيّ بهذا الشكل الذي يتضمن تمايزا بين منطقة وأخرى.
الأساس ان تكون هناك إدارة ونسب ضريبيّة واحدة معمول فيها بكافة انحاء المملكة، فالاقتصاد صغير ولا يحتمل كل هذا التشعب الفرعي، فهناك مناطق حرة واخرى خاصة، مناطق تنموية، والعقبة الاقتصاديّة، والإعفاءات والضرائب تمنح لكل منها على حدة وكأن هذه المناطق في أكثر من دولة وتشرف عليه حكومات مختلفة.
حتى تجربة العقبة الاقتصاديّة الخاصة أثبتت في كثير من مضامينها الاقتصاديّة فشلها في استحداث تمايز نوعي بشكل الاستثمار الذي قدم إليها منذ تأسيسها في العام 2001 .
فغالبية الاستثمار المقام عليها سواء سياحيا ام خدميا ام لوجستيا لا يحتاج بالأصل الى هذا الشكل الإداري الذي منح للمنطقة الخاصة، فبإمكان الحكومة ومن خلال مجلس الوزراء ان تعطي الإعفاءات التي تراها مناسبة لأي مستثمر في اي منطقة ترغب بتسريع وتيرة التنمية فيها، فتأسيس الفنادق لا يحتاج كل هذه التشكيلات والتعقيدات الإدارية، وحتى منح أراض للمستثمرين لا يحتاج سوى لقرار من مجلس الوزراء الذي هو صاحب الولاية في إدارة شؤون الدولة.
تجربة العقبة الاقتصاديّة الخاصة لا يمكن ان نختزلها بالإعفاءات التي منحت للمستثمرين، من خلال ما تحقق في العقبة الخاصة من مشاريع تنموية خلال العشرين عاما الماضية، فإن مجلس الوزراء لو امتلك رؤية تنموية واضحة وخطة اقتصادية مدروسة ومعتمدة لكان قادرا على إدارة المشهد الاقتصاديّ في العقبة بالشكل المطلوب، وكان الذي تحقق من خلال حكومة مركزية بدلاً من كل هذه الهياكل الإدارية التي أنشئت وتسببت بأشكال تمايز سلبي من الدولة باتجاه المستثمرين والقطاعات في آن واحد.
وقد يتساءل البعض ما هو ذنب المستثمر الذي أسس استثماره على نسب ضريبيّة وجمركية مخفضة؟
نعم لا يحق المساس بالحقوق المكتسبة التي حصل عليها المستثمرون في مختلف المناطق التنمويّة والخاصة والحرة، فهذه حقوق أصيلة باتت لهم بموجب القانون، وعلى الدولة بمؤسساتها المختلفة ان تحافظ عليهم وتدعمهم بالطرق التي تساهم بزيادة تنافسيتهم.
اما المستثمرون الجدد فإن الحكومة مطالبة اليوم بتوحيد شكل التعامل الضريبي والجمركي لهم بغض النظر عن أماكن تواجدهم، والعمل على منحهم حوافز وتسهيلات وإعفاءات تعوضهم نسب الجمارك والضرائب المخفضة.
هذا الأمر يجب ان ينتقل بفكر الدولة الاقتصاديّ إلى مرحلة توحيد الإجراءات والخطط الضريبيّة والجمركية مقابل توحيد أيضاً للشكل الاقتصاديّ المعمول به حاليا، والغاء كل هذه المناطق بما فيها العقبة الخاصة وإطلاق قانون واحد ومرجعية واحدة لقانون الاستثمار الذي يجب ان تناط به مسألة تحديد الاعفاءات والحوافز لجميع القطاعات والمستثمرين بلا استثناء، شاملا بداخله التمايز في منحها حسب القيمة المضافة للمشروع وأهميته في التشغيل وتنمية المناطق والمناطق النائية في المحافظات وغيرها من العوامل التي يجب ان تكون هي الأساس في منح الإعفاءات للمستثمرين.