ولدت بأنف عملاق نسبيا، لكنه كان يمتلك قدرات عادية تماما في مجال الشم والتنفس، ولم تتح لي الفرصة حتى الان لمعرفة قدراته في حمل النظارات. لكن قدرات أنفي تفتقت بعد أن بلغ العمر مني عتيا واشتعل الرأس ثلجا، حيث صار قادرا على التقاط روائح المشاكل والقضايا عن بعد ميلين ...لذلك فإن الأصح ان يكتب مع مقالاتي (بأنف :يوسف غيشان) وليس بقلمه.
بالمناسبة، فلا تقتصر مهمة الأنف على التنفس واستنشاق الروائح المتنوعة، لا بل ان صاحبنا الأنف، قادر على التنبؤ بالكثير من المشكلات الصحية على رأسها الكورونا وأخواتها حتى أن الطبيب يستدل من لون الأغشية المخاطية على الكثير من الأمراض والالتهابات الأعراض التحسسية.
حتى مرض الزهايمر يمكن تشخيصه من خلال الأنف، لأن المصاب بهذا المرض يبدا في مراحله الأولى بفقدان حاسة الشم، وهذا ما دفع الأطباء وعن طريق فحص الخلايا العصبية في الأنف إلى اكتشاف الكثير من الأمراض النفسية. الأنف الأحمر يدل على الكثير من الأعراض منها حمى القض والإنفلونزا واضطرابات الغدة الدرقية، ولون السائل المخاطي يدل على وجود الكثير من أنواع الالتهابات التنفسية.
قرأت قبل عقود قصة لكاتب روسي تتحدث عن شخص نهض في الصباح فلم يجد أنفه، وتستمر أحداث القصة والرجل يبحث عن أنفه المفقود. كنت اعتقد انها مجرد قصة اطفال انذاك، لكنني الآن أدرك مدى عمق هذه الفكرة، حيث يفقد الإنسان أنفه فيفقد معه القدرة على التمييز، ويتحول الى كائن عاجز في محيط مخيف.
اما رواية «الشاعر «التي عربها مصطفى لطفي المنفلوطي عن مسرحية فرنسية، فهي تتحدث عن (سيرانو دي برجراك) الفارس الشجاع والشاعر الرقيق صاحب الأنف الطويل، الذي أحب ابنة عمه الجميلة روكسانا، ولم يجرؤ على مصارحتها بذلك بسبب أنفه الطويل، لا بل انه يكتب لصديقه الجميل النبيل كريستان الذي يحبها رسائله الغزلية إليها، لأن صديقه لا يجيد الكتابة ...وكانت كلماته تنز حزنا وحبا.
كان صديقنا برجراك يستاء جدا عندما يعيره أحد ما بأنفه، وكان يحل ذلك بالمبارزات التي يخرج منها منتصرا في العادة، لكن تكاثر الأعداء عليه أدى إلى مقتله. أذكر أن الحبيبة اكتشف ذلك متأخرة.
كان اجدادنا يمدحون قوما او قبيلة بوسمهم ب (شم الأنوف) أي أن أنوفهم مرفوعة بالسماء سؤددا وشهامة وشرفا وشجاعة وعنفوانا. أما الذليل الذي يجبر على فعل ما لا يريد فكانوا يقولون إنه فعل ذلك رغم أنفه، وللدلالة على إذلال شخص لآخر كانوا يقولون: (مرّغ أنفه بالتراب).
كانت العرب تقول: (لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك) أما حاليا، فينبغي القول: (أنفك طبيبك ..يكشف عيوبك).