منذ أن غادر الحكومة عام 2016 وأنا بشوق بالغ للقاء دولته ، الذي أكنُّ له كل الاحترام والمحبة والتقدير ، الى أن جاءت دعوته الكريمة لي بلقاء في بيته العامر في السلط ، وكم كنتُ سعيداً بهذا اللقاء الذي استمر نحو ساعة كاملة ، كنتُ أنصتُ اليه كتلميذ أمام معلمه الكبير ، وهو من وجهة نظري صاحب مدرسة رشيدة تلي مدرسة الهاشميين الحكيمة التي نعتز ونفخر بها .
تحدث دولته في موضوعات كثيرة ، عن مسئولياته المتعددة في الوظيفة العامة ، وعن رئاسته للحكومة لخمس سنوات صعبة في تاريخ الأردن ، في زمن الربيع العربي واللجوء السوري الذي أثقل كاهل خزينة الدولة والوضع الاقتصادي الصعب ، وتصديه في مرحلة دقيقة وحساسة للتحديات والظروف التي واجهت الدينار الأردني ، وسعيه للمحافظة على قيمته وإنقاذه من الإنهيار ، ومثابرته كذلك على العمل والمتابعة لكل أمور الوطن بكل شجاعة واقتدار وأمانة وإخلاص ، بالرغم من تلاطم الأمواج التي حلّت بمنطقتنا في عهد حكومته .
مسيرة طويلة للدكتور عبدالله نسور معززة بتراكم من الخبرات في أكثر من سبع وزارات وعشرات الدوائر والمؤسسات ومجالس الإدارات وعضويته في مجلسي النواب والاعيان ، وهي التي يحتاج الحديث عنها بعدة مقالات ، ولعلّ المرحلة الصعبة والقاسية التي واجهها دولة " أبو زهير " كانت أثناء رئاسته للحكومة المترافقة مع حملات الإنتقاد والتجريح التي تعرض لها تحت قبة البرلمان ومن أقلام بعض الكتّاب في المواقع الإخبارية .
ويكفيه فخراً رسالة جلالة الملك عبدالله الثاني عند قبول استقالته من الحكومة وشكره له على عطائه خلال تحمله أمانة المسئولية حيث قال جلالته في رسالته : ستبقى على الدوام قريباً مني وموضع اعتزازي ، وثقتي بك كأردني غيور ورجل دولة يتحمل المسئولية أينما كان بأمانة وإخلاص وشجاعة .
الدكتور عبدالله نسور قامة أردنية شامخة يعطي بلا حدود ، وهو من الرجال الأوفياء المخلصين الذين صدقوا الوطن وأهله الوعد ، والمنتمين لذرّات ترابه وشعبه وقيادته من أجل أن يبقى الأردن عالياً مرفوع الرأس ، ونموذجاً يُحتذى في الرفعة والازدهار ، مسيرة دولته طويلة وحافلة بالعمل والإنجاز ، نال عليها الكثير من الأوسمة الممتازة وعالية الشأن من الدرجة الأولى ، سواء في وطنه الأردن أو من الدول الصديقة ورؤسائها .
وعلى صعيد مدينة السلط التي أحبها كبقية المدن الأردنية ، فيعود له الفضل بإنشاء جامعة البلقاء التطبيقية وضمّ المعاهد والكليات المنتشرة في المملكة لها ، وتأسيس كلية الطب فيها وربطها بمستشفى السلط الجديد ، وتنفيذ جسر دبابنه الذي حلّ أزمة مرورية خانقة ، وإنشاء مدينة السلط الصناعية جنوب المدينة ، ومرحلة من شارع الستين وانشاء طريق الفحيص وتعيين المئات من أبناء السلط أثناء الخدمة الوظيفية لدولته في الوزارات والدوائر والمؤسسات وغيرها الكثير .
والآن وبعد كل هذا العطاء ، فمن الواجب والحق علينا أن نقدم لدولة الدكتور عبدالله نسور خالص الثناء وصادق التقدير ، لما بذله على مدى أكثر من خمسة عقود من جهد مثمر وإخلاص متميز لوطنه وقيادته ومدينته ، وهو إنجاز يكفل له عبور التاريخ من أوسع أبوابه .