مهدي مبارك عبد الله - قبل قرابة اسبوعين كشف رئيس أركان جيش الاحتلال الصهيوني ( أفيف كوخافي ) لقناة كان العبرية بأن الجيش الصهيوني كان يستعد للدخول إلى ( مدينة جنين ) بالضفة الغربية لتنفيذ عمليةٍ عسكرية واسعة ضدّ عناصر من المقاومة لكن ( قوات الأمن الفلسطينية قامت بالعملية نيابة عنه ) بعد ضغوطٍ كبيرة مورست على السلطة الوطنية الفلسطينية حيث دخل رجال الامن الفلسطيني أزقة جنين الضيقة واعتقلوا الكثيرَ من الناشطين وساقوهم الى مراكز التوقيف والتحقيق كما صادروا كمياتٍ كبيرة من الأسلحة القمع والتعسف بحق الفلسطينيين واستفزوهم بشتى الطرق والوسائل
يعلم الجميع أنه منذ توقيع اتفاق أوسلو في سبتمبر 1993 إلى الآن وقواتُ الأمن الفلسطينية تتعاون مع الاحتلال من خلال ما يسمى باتفاق ( التنسيق الامني ) سيء الذكر بإرشاد جنوده إلى أماكن اختباء المقاومين لاعتقالهم أو حتى قتلهم وبسبب هذا الدور المخزي قضى الاحتلالُ على معظم مناطق المقاومة المسلحة في الضفة الغربية ولم تبقى هناك مقاومةٌ سوى في قطاع غزة وما كشف عنه ( كوخافي ) هذه المرة ليس غريب لكنه معيب وتجاوز حدود التعاون الروتيني والإرشاد وتبادل المعلومات الاستخبارية والزيارات واللقاءات السرية والعلنية إلى قيام ( قوات الأمن الفلسطينية بنفسها بمَهمة مطاردة المقاومة ) نيابةً عن جيش الاحتلال الصهيوني أي ( أنه أصبح يدفع أفراد الشرطة الفلسطينيين في مواجهات مسلحة ضد فلسطينيين مثلهم ) ويخاطر بحياتهم لحفظ حياة جنود الاحتلال في أي مواجهة
هذا الواقع الاليم يذكرنا بحقبة الاحتلال الفرنسي الاجرامي للجزائر عندما قيامت العديد من الثورات الشعبية في مناطق مختلفة كان جيش الاستعماري الفرنسي يضع ( الخونةَ الجزائريين ) في الصفوف الأولى وجنودَه يختبئون خلفهم في شتى المعارك حتى يكونوا هؤلاء أول الضحايا وأكثَرهم أما اليوم فيقوم الأمن الفلسطيني بمهمةٍ أكبر لوحده فهو لا يخوض معاركَ مشترَكة مع جيش الاحتلال الصهيوني ضد المقاومة لكنه يعمد الى خوضها لوحده منفردا
والسؤال المحير الى متى ستبقى السلطة الفلسطينية تعمل في خدمة الاحتلال ومساعدة جيشه النازي في عمليات المطاردة والبحث عن المقاومين والمناضلين وما جرى في عملية اعتقال الاسيرين الفارين من سجن جلبوع ( نفيعات وكممجي ) في جنين وضمن منطقة تقع تحت سيطرة السلطة بعد تقديمها معلومات امنية سهلت في القبض عليهما واعادتهما الى السجن لهو خير برهان ودليل على حرص السلطة على منع قيام اي معارضة شعبية وعملها على تهدئة الاوضاع لاستكمال مشروع السلام الاقتصادي الذي انطلق أخيراً ضمن سياسة ضياع القضية الفلسطينية في بعدها السياسي والتحرري
الغريب جدا أن مثل هذه الاحداث والتطورات المخزية والمهينة تأتي متسارعة في وقتٍ يتصاعد فيه الاستيطان والتهويد وجرائمُ الاحتلال وعنصريته ضد الفلسطينيين فضلا عن رفضِه التعاطي مع أي حل سلمي يقوم على مضامين مشروع حل الدولتين حتى ولو كان حجم الدولة التي تنادي بها السلطة الفلسطينية لا يتجاوز 22 % فقط من فلسطين التاريخية فهي مرفوضة كليا من الجانب الصهيوني بكل زعاماته و فئاته واحزابه
السلطة الفلسطينية منذ تشكيلها عام 1994 تتمسك بالتعاون والتنسيق الأمني مع جيش الاحتلال الصهيوني في الكشف عن المقاومين وملاحقتهم وتسليمهم في مناطق الضفة الغربية المحتلة ورغم حالة الجدل الواسع والرفض والسخط الشعبي والجماهيري تعتبر السلطة وفق ما جاء على لسان رئيسها محمود عباس أن هذا التعاون ( مقدسا ) ولا يمكن التخلي عنه بتاتا
وفي ظل فشل مسارات التسوية على جميع المحاور يقتصر دور السلطة على المهمة الوظيفية والأمنية في حماية أمن الاحتلال فعلى مدار أكثر من ربع قرن ساهمت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في إحباط آلاف العمليات الفدائية من خلال تقديم معلومات حولها وتسليم الخلايا العسكرية والمئات من المقاومين والمطاردين في الضفة الى جهاز الشاباك الصهيوني بعد توقيفهم والتحقيق معهم في معتقلاتها و سجونها
خلال السنوات الأخيرة الماضية بلغ التعاون والتنسيق مستويات غير مسبوقة في الكشف عن خيوط أي عمل مقاوم في الضفة وقد أخذ عدة أشكال منها مداهمة أجهزة السلطة لمنازل المئات من عناصر فصائل وحركات المقاومة الفلسطينية الذين تفرج عنهم قوات الاحتلال من السجون الإسرائيلية ومرافقة العربات العسكرية الإسرائيلية لتأمين خط سيرها خلال انسحابها وهو ما اوجد حالة غليان مستمرة في الشارع الفلسطيني ضد السلطة وسلوكها القمعي بحق النشطاء والحراكيين والمعارضين
امام كل ذلك يتسأل الكثير من الفلسطينيين لماذا تصر السلطة الفلسطينية على مواصلة التنسيق الامني مع الاحتلال مع الاحتلال بل وتخوض معاركَ بنفسها نيابةً عنه وتضحي برجالها وابناء شعبها من أجله وما الذي ستجنيه من هذه التنازلات المتواصلة بعد أن رفض الصهاينة تقديم أي تنازلٍ سياسي ولو هامشي للفلسطينيين خارج ما أقِر في اتفاق العار أوسلو عام 1993 وأي حكم ذاتي هذا الذي يضمن لقطعان المستوطنين الحماية الكاملة من طرف ( شرطة دايتون الفلسطينية ) مقابل مساعداتٍ مالية وامتيازات صهيونية على حساب ضياع الارض والإمعان بالوهم والرهان على السراب والتنكر لدماء الشهداء ومعاناة الجرحى والام المصابين وحسرات الارامل والثكالى وبكاء الايتام
لقد كان مخزيا وفاضحا جدا أن يصرح ( كوخافي ) للصحافة العبرية مرارا وتكرارا أن استمرار التنسيق الأمني هو ( مسألة حيوية لأمن إسرائيل تقدمها السلطة على طبق من ذهب واحيانا بون طلب ) وهو ما جعل قادةُ الاحتلال يتداعون إلى مساعدة السلطة الفلسطينية ماليا ومعنويا في الشكليات والكماليات
حتى لا تنهار السلطة وتسود الفوضى في الضفة الغربية بسبب حالة الرفض الشعبي لها جراء سلوكها القمعي وتفشي الفساد السياسي والمالي والاداري والصحي والاقتصادي في معظم اركانها حيث قرر الاحتلال بعد لقاء غانتس – عباس تحويل نحو 32 مليون دولار من أموال الضرائب المحتجزة لدى إسرائيل إلى السلطة وإصدار تصاريح لـ 500 رجل أعمال لدخول إسرائيل بسياراتهم إضافة الى العشرات من التصاريح لكبار الشخصيات والمسؤولين الفلسطينيين
في المقابل فقد كان مؤلم أكثر ان يتعهد الرئيس محمود عباس في زيارته الاخيرة لوزيرَ دفاع الاحتلال بيني غانتس في بيته بتل أبيب ودون خجل وباستخفاف كبيرا بمشاعر الفلسطينيين بانه لن ( يسمح بممارسة العنف واستخدام الأسلحة النارية ضد الإسرائيليين بغض النظر عن طبيعة العلاقات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل وأنه لا يمكنه التنازل عن التنسيق الأمني تحت أي ظرف ) وانه سيحافظ على الاستقرار الأمني في الضفة ويمنع الإرهاب والعنف أي ( المقاومة الفلسطينية الشرعية للاحتلال ) في وقت يتطلع فيه الفلسطينيون إلى كلمة دعم تساندهم أو عبارة انتقاد لسلوك الاحتلال ومستوطنيه ممن يزعم أنه يمثلهم في ظل خطواته الأكثر استفزازا وتحديا للقضية الفلسطينية ومستقبلها
الرئيس الراحل ياسر عرفات فاوض ايهود باراك في كامب ديفيد أيام عديدة عام 2000 وحينما تأكد له أن الاحتلال لا يريد تقديم أي تنازلٍ جوهري للفلسطينيين ولا يهمه سوى استمرار السلطة الفلسطينية في حمايته أمنيا ليتفرغ لمواصلة الاستيطان والتهويد وقضمِ المزيد من أراضي الضفة رفضَ استمرار المهزلة التي كانت تصب في مصلحة الاحتلال وتسجل له كمكاسب أمنية وانتصارات ميدانية
حيث سارع ابو عمار وقتها الى وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال وأشعل شرارة الانتفاضة الثانية في سبتمبر عام 2000 وتصالح وتعاون مع المقاومة ضد الاحتلال وأطلق ناشطيها من سجونه وخاض أبطال فتح وكتائب شهداء الاقصى معاركَ مشرفة مع باقي فصائل المقاومة في جنين وباقي مناطق الضفة وغزة وبقي عرفات ثابتا على موقفه إلى أن استشهد في نوفمبر 2004
على عكس ذلك الرئيس عباس الذي يبلغ من العمر 87 سنة ولا يريد أن يختم حياته بإنهاء مهزلة التنسيق الأمني وتمزيق اتفاق أوسلو والعودة إلى خندق المقاومة لتحرير الأرض والمقدسات بل يريد أن يختمها وهو ينسق أمنيا مع الاحتلال ويلاحق المقاومين والنشطاء ويكبح تصاعد المقاومة في مدن الضفة المحتلة للحفاظ على حالة الاستقرار الأمني ومنع انهيار السلطة وهو بذلك يضرب كل قيم الوطنية والنضالية عرض الحائط وينحاز بشكل واضح الى جانب العدو الصهيوني في المواجهة المشتعلة مع الشعب الفلسطيني ليبقى محافظاً على نهج أوسلو التدميري وليؤكد ما يقوله الكثيرون بان السلطة ماهي الا ( كيان وظيفي وأمني يعمل في خدمة الاحتلال )
خلال زيارة الرئيس عباس المرفوضة والمدانة لصديقه بني غانتس والتي كانت الاولى التي يقوم بها لإسرائيل منذ أكثر من 10 سنوات بعد اجتماعهما في 30 أغسطس الماضي في رام الله التي جاءت في أوج الهجمات الإرهابية للمستوطنين اليهود تصاعد اعتداءات جيش الاحتلال على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة والاقتحامات المتكررة للبلدات والمدن الفلسطينية وحملات الاعتقالات الواسعة في ظروف غير إنسانية وعقب يوم واحد من جريمة دهس المسنة الفلسطينية ( غدير مسالمة ) 60 عام التي قضت جراء صدمها بمركبة مستوطن عمدا قرب بلدة سنجل شمال شرق رام الله والتي لم تجف دمائها بعد ولماذا لم يطلب من غانيتس في جلستهما الحميمية الإفراج عن الأسير البطل هشام أبو هواش الذي كان يصارع الموت بقسوة والم
ناهيك عن الاعتداءات المستمرة على الأسيرات والتنكيل بهن ونزع حجابهن في سجون الاحتلال وهذا نزر يسير من صفحات سجل كبير من جرائم الاحتلال والمستوطنين شبه اليومية التي ترتكب بمصادقة وبدعم من حكومة الاحتلال وعلى رأسهم المجرمين وزير الحرب غانتس ورئيس اركانه كوفاخي كل هذا الاجرام لم يستفز سلطة رام الله لتحريك عناصرها واستنفار جنودها للدفاع عنهم وحمايتهم ومواجهة ما جرى ويجري بحقهم وهم يقاومون الاحتلال بصدورهم العارية وإرادتهم الفولاذية وتصميمهم على إشعال ثورة شاملة في كل الضفة الغربية وتصعيد المقاومة لإرهاق الاحتلال ومستوطنيه
في ظل تعثر عملية السلام ورفض إسرائيل لحل الدولتين لماذا لم يلوح ويهدد عباس غانيس بالذهاب إلى خيارات أخرى بديلة تشمل العودة للمطالبة بقرار التقسيم للعام 1947 أو الذهاب إلى الدولة الديمقراطية الواحدة على أرض فلسطين التاريخية التي تتحقق فيها الحقوق السياسية والمدنية الكاملة للفلسطينيين على كل أرض فلسطين التاريخية
وليس الدولة الواحدة التي تقوم على تأييد الاحتلال وفرض نظام الأبارتهايد والفصل العنصري اضافة الى التلويح بسحب الاعتراف بإسرائيل في حال عدم انسحابها من الأراضي الفلسطينية المحتلة والتوجه إلى محكمة العدل الدولية من أجل اتخاذ قرار حول شرعية وجود الاحتلال على أرض دولة فلسطين وحسم المسؤولية المترتبة على الأمم المتحدة والعالم إزاء ذلك وفقا لقرارات الشرعية الدولية
هنالك العديد من المحطات غير المشرفة في مختلف مناطق الضفة العربية لا يتسع المجال في هذا المقال لذكرها والتي لعبت فيها أجهزة السلطة دورا مركزيا في حماية أمن الاحتلال من خلال تسليم المقاومين وكشف خلاياهم وتقديم معلومات عنهم الى جانب اختطاف العشرات من الشبان وتفتيش منازلهم ومحيطها بشكل مشدد والتعمد بنبش الحدائق والجدران بحثاً عن السلاح رغم أن هذه المنازل تتعرض بشكل دائم لمداهمة قوات الاحتلال وهو ما جعل هذه السلطة عبئا على المواطن الفلسطيني وسدا منيعا أمام مشروعه التحرري وهي تسير عكس توجهات ونبض الشارع الفلسطيني
العدو الصهيوني الذي قام الامن الفلسطيني بعملية الاقتحام في جنين نيابة عنه وحرص عباس على الالتقاء بوزيره وسط تل أبيب هو نفسه العدو المجرم الذي يبتلع الضفة الغربية ويرتكب أفظع الجرائم بحق المدنيين العزل ويعتدي على الأسيرات في سجن الدامون وينكل بهن وهو نفسه يضا اليوم وأمس الذي يمارس الجرائم البشعة بحق الفلسطينيين ويحاصر قطاع غزة ويهود القدس ويدنس المقدسات ويضيق الخناق على المقدسيين في كافة نواحي معيشتهم وسبل حياتهم
ان استمرار سلوك قيادة السلطة على هذا النحو سوف يعمق الكراهية والعداء و الانقسام الداخلي ويعطل المصالحة ويشجع بعض الأطراف في المنطقة التي تريد أن تُطبع مع الاحتلال كما انه يضعف الموقف الفلسطيني الرافض للتطبيع حيث اصبح الاعتقاد السائد ان السلطة تبحث فقط عن حلول انية وغير ناضجة للخروج من أزماتها وعجزها وفشلها على حساب مصالح الشعب وعذابه تحت نير وسطوة الاحتلال وبأبخس الاثمان
خلاصة القول المطلوب اليوم إجراء الانتخابات الشاملة لا الغائها وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس وطنية قوية تمكنها من الوقوف أمام التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية بالإضافة الى تصعيد اعمال المقاومة بكافة الطرق والأدوات في كل مدن وقرى الضفة المحتلة للتصدي للاحتلال وقطعان مستوطنيه ورد الصاع صاعين للمعتدين
بعدما اثبت كل مشارع التسوية فشلها في كل ا وفي المقابل أثبتت المقاومة أن مسارها هو الطريق السليم لتحرير الأرض والانسان وعودة اللاجئين واستعادة الحقوق المغتصبة وانهاء حالة الشعور المريرة في نفوس اغلب الفلسطينيين بوجود تساوق من قبل السلطة الفلسطينية مع الاحتلال فيما يقوم به من اعتداءات وانتهاكات واضحة اتجاههم بعد النظر الى ما تمارسه هي بحقهم بصورة اشد واعنف
mahdimubarak@gmail.com