يقول رئيس هيئة النزاهة ومكافحة الفساد الدكتور مهند حجازي إن الهيئة استردت خلال الأعوام السابقة نحو 101 مليون دينار، إضافة إلى وجود أحكام قطعية بقيمة 616 مليون دينار.
كلام رئيس الهيئة جاء أمس الثلاثاء خلال تسليم رئيس مجلس النواب نسخة من التقرير السنوي لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد للعام 2020، والتقرير حافل بالمعلومات والتفاصيل حول قضايا كثيرة، تخص ملف الفساد في الأردن الذي يشغل الناس، منذ سنوات طويلة.
لقد تسبب الفساد، ثم الكلام عن الفساد بأضرار للأردن تفوق ربما كلفة المال المسروق، والذي يدقق في سمعة الأردن في العالم العربي، يكتشف أن كثرة من المستثمرين مثلا تتجنب القدوم الى الاردن بسبب الانطباعات المصاغة جراء ملفات الفساد، وهذا ضرر كبير يضاف الى الأضرار المالية المتعلقة بالمال المهدور، والأضرار المرتبطة بغياب الثقة أحيانا في كل الكلام الرسمي، فنحن أمام كلفتين، داخلية وخارجية، وهذا أمر واقع، دون أي مبالغات إعلامية أو سياسية.
طبعا هذا الاستخلاص لا يعني التوقف عن محاربة الفساد، بل ربما الشفافية هنا أفضل من تغييب المعلومات، لان الشفافية تعني ان هناك محاربة جدية للفساد بكل الوسائل المتاحة.
الذي يجب أن يقال للذين يحاربون الفساد أن هناك عدة أنماط أخطر من سرقة المال العام، فالكثير يتحدثون عما يجري مثلا في بعض الشركات المساهمة وطريقة التعيينات فيها، وتحديد الرواتب والأجور، والمكافآت وغير ذلك، وهذا ملف تتداخل به عدة جهات، الا أنك تسمع دوما من المساهمين أنهم لا يستفيدون شيئا، فيما الإنفاق بأعلى مستوياته وبتغطية قانونية وإدارية.
هناك ملف آخر يتعلق بأنماط الفساد مثلا في بعض المشاريع، وكلفها، وأنماط تتعلق بتلقي التسهيلات مقابل رشى صغيرة أو كبيرة، فنحن أمام حرب كبيرة، يزيد من حدتها أن الفاسد بات خبيرا في القانون، ويعرف كيف يستعمل صلاحياته ويغطي تصرفاته من ناحية قانونية.
الانطباع العام في الأردن، أن الفساد أكل كل شيء، وإذا كانت هذه الانطباعات حقيقية أو مبالغا في بعضها، فإن هذا الملف يجب أن يخضع لتكييفات جديدة، تؤدي الى تعزيز الضمانات بوجود حرب على الفساد، من خلال دعم الجهات التي تحاربه وتعزيزها ماليا وعبر الكوادر التي تحتاجها، اضافة الى التنبه الى ان الفساد في حالات كثيرة، مصلحة للراشي مثلا، قبل المرتشي، فالعملية معقدة، وتتداخل بها أطراف كثيرة، تلتقي مصلحتهم عند نقطة واحدة هي المال الحرام.
ملف الفساد ومنذ سنوات يخضع أحيانا لتجاذبات سياسية، فالذي يريد تصفية شخص آخر غير فاسد، يتم تشويه سمعته بوسائل كثيرة، واتهامه بالفساد، وفي حالات ثانية، لا يتطرق أحد إلى الفساد المخفي، والمفارقة هنا أن التركيز هو على الفساد في القطاع العام، كونه مال الخزينة، فيما الفساد في القطاع الخاص، قصة ثانية، توجب التنبه له، دون تجريم القطاع الخاص، مسبقا، أو تحويله إلى جهة مشبوهة لمجرد التصيد، خصوصا، أن القطاع الخاص، أيضا، فيه ما يكفيه من هموم ومشاكل وأزمات تجعله في حاجة إلى التدقيق وليس التجريم المسبق.
دون انتقاص لجهد الهيئة، فإن الرأي العام يجزم بوجود ملفات لم يتم التوصل إليها، والمطلوب اليوم من الهيئة ألا تترك بعض الملفات للتجاذبات، وأن تحسم الموقف من بعضها بشكل نهائي، حتى لا تبقى بين الأخذ والعطاء، مثلما نرى في أدبيات الذين يعتقدون أن ليس كل الملفات تخضع لذات الرقابة أو المتابعة، وهذا يفرض على الهيئة أيضا مزيدا من الشفافية مع الجمهور، ووسائل الإعلام، من أجل تجسير الثقة مجددا بين الرأي العام والمؤسسات التي تحارب الفساد.
المبالغ التي أعلنها رئيس الهيئة ما بين من تم استرداده أو تلك التي بها أحكام قطعية كبيرة، كما أن الأخطر هنا ملفات الفساد الإداري المرتبطة بالصلاحيات، والإفراط بها، وهذا ما يكشفه دوما ديوان المحاسبة، بما يجعلنا نطالب بخلية موحدة لمحاربة الفساد، وتجديد الوسائل والطرق والآليات، خصوصا، أن الفساد قوي ويتحور مثل فيروس كورونا، ولديه القدرة على البقاء.