زاد الاردن الاخباري -
عممت وزارة الأوقاف على خطباء المساجد نسخة من محاور الخطبة الموحدة لصلاة الجمعة.
وحملت الخطبة عنوان الإسلام دين الفطرة.
وتاليا نص الخطبة :
________________________
الْحَمْدَ لِلَّهِ الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، نحمده ونستعينه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة حق تنجينا من عذاب أليم ، عليها نحيا وعليها نموت ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله ، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الغمة ، وجاهد في الله حق جهاده وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
الإسلام ليس غريباً على الكون ولا دخيلاً على فطرة الإنسان ، والكون والإنسان كلاهما أثر لقدرة الرحمن ، فالكون كله خاضع ممتثل للخالق منقاد لأمره من حيث فطرته ، قال تعالى : ( وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ) سورة آل عمران : 83
لقد خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم ووهبه الأدوات التي تمكّنه القيام بمهمة الاستخلاف في الأرض وحمل أمانة المسؤولية ، وعبادة الله تعالى وإقامة شرعه ، وهيأ له من الصفات ما يستطيع به عمارتها بما يرضي الله تعالى ، فقال تعالى : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) التين :4 ، وأخرجه الله سبحانه وتعالى إلى الدنيا مُهيئاً لاكتساب المعرفة والمعلومات التي تدله على خالقه جل وعلا ، قال تعالى : ( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) النحل 78 ، ومع هذه الأدوات المهمة ، جعل الله تعالى للإنسان منارةً يهتدي بها إلى المنهج القويم والصراط المستقيم ، وهي الفطرة النقية والخِلقة السليمة السويّة التي ليس فيها زيغ أو انحراف ، التي تنسجم مع نواميس الكون وقوانينه التي خلقها الله تعالى ، وتعني الخِلقة الأصلية في نفس الإنسان ، واستعداده لمعرفة الحق وقبوله حين يُعرض عليه ، ومحبة الإنسان للخير والجمال ومحاسن الأخلاق ، يقول تعالى : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) الروم : 30 .
فالفطرة هي التي تحُث الإنسان على السعي إلى التفكر والتدبر من خلال النظر في كتاب الله المنظور وبديع خلقه سبحانه وتعالى وانتظامه ، ومن خلال النظر في كتابه المسطور وهو القرآن الكريم وما فيه من إعجاز ونور وهداية ، يقول تعالى: ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) الأعراف : 172 .
قال أبو حيان الأندلسي في تفسيره "البحر المحيط" : وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى نَصَبَ لَهُمُ الْأَدِلَّةَ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَشَهِدَتْ بِهَا عُقُولُهُمْ وَبَصَائِرُهُمُ الَّتِي رَكَّبَهَا فِيهِمْ وَجَعَلَهَا مُمَيِّزَةً بَيْنَ الضَّلَالَةِ وَالْهُدَى فَكَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَقَرَّرَهُمْ وَقَالَ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ وَكَأَنَّهُمْ قالُوا بَلى أَنْتَ رَبُّنَا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَأَقْرَرْنَا لِوَحْدَانِيَّتِكَ .
ولله درُ ذلك الأعرابي حين سُئل بم عرفت ربك ؟ فقال : الأثر يدل على المسير ، والبَعْرَة تدل على البعير ، فسماء ذات أبراجٍ وأرض ٌ ذات فجاج وبحارٌ ذات أمواج ألا تدل على السميع البصير ؟ وهذه الفطرة هي التي يولد الإنسان عليها ، خالياً من العيوب والانحرافات ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : « مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ » رواه البخاري ومسلم ، فشبهه النبي صلى الله عليه وسلم بصفاته البيضاء النقية كالمولود الذي يولد كاملاً ليس به نقصٌ ولا عيب، وإنما يحدث الانحراف والضلال بسبب التنكب عن الفطرة السوية، والانقياد إلى وساوس الشيطان وشبهاته .
إن دعوة الإسلام فطرية إنسانية ، حنيفية سمحة ، متسقة مع الكون ، ولذلك يجب الحفاظ على النظافة الشخصية وحُسن الهيئة من خصال الفطرة التي فطر الله تعالى عليها الإنسان فالفطرة السليمة تنعكس بأجمل صورة وأبهى حُلّة على مظهر الإنسان المُسلم ، فلا ترى المُسلم إلا مُشرقاً نَضراً كالشامة بين الناس ، في حُسن هيأته ومظهره ، ونظافته ، وفي حسن تعامله مع الناس ، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم بأن الحفاظ على النظافة العامة وحُسن الهيئة من خصال الفطرة التي فطر الله تعالى عليها الإنسان ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " عشر من الفطرة : قص الشارب ، وإعفاء اللحية ، والسواك ، واستنشاق الماء ، وقص الأظفار ، وغسل البراجم ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وانتقاص الماء " قال زكريا : قال مصعب : ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة زاد قتيبة ، قال وكيع : " انتقاص الماء : يعني الاستنجاء" صحيح مسلم .
ومن آثار الانقياد للفطرة كذلك ، أن تنعكس آثار العبادات على سلوك المسلم فتهذب أخلاقه وجوارحه حتى تقوده إلى ما فيه خير وصلاح ، فالفطرة هي التي يمكن أن نعبر عنها بمفهوم " الضمير الحي " الذي يبقى يقظاً ينبه صاحبه إلى مواطن الخير ، ويصرفه عن الشرور والسيئات وارتكاب الآثام والمعاصي، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : « البر حسن الخلق ، والإثم ما حاك في صدرك ، وكرهت أن يطلع عليه الناس » صحيح مسلم ، وفي لفظ : « استفتِ نفسك ، البر ما اطمأنَّتْ إليه النفس ، واطمأن إليه القلب ، والإثم ما حاك في القلب ، وتردَّد في الصدر ، وإن أفتاك الناسُ وأفتَوْك » مسند الإمام أحمد .
• الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } آل عمران:102.
عباد الله : إن من الانسجام مع فطرة الله التي فطر الناس عليها أن يعلم الإنسان أنه مخلوق وفق نظام ربّاني دقيق فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ) النساء :1، فأقام الله تعالى نظام الموجودات في العالم على أساس الزوجين الذكر والأنثى ، وحثّ سبحانه وتعالى على الانسجام مع هذه الفطرة من خلال الزواج المشروع الذي يُثمر نسلاً طيباً مُباركاً ، وحذرنا سبحانه من الانحراف عن هذه الفطرة السليمة ، لأنه تخلٍ عن الكرامة الإنسانية ، انتكاس في البشرية ، وانحطاط في الآدمية ، فضرب الله تعالى لنا مثلاً من قوم لوط عليه السلام حين شاعت فيهم الفاحشة وانحرفوا عن الفطرة السوية الى فعل شاذ تأنف منه وترفضه الطبائع السليمة ، قال تعالى : ( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ، إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ) الأعراف : 80 - 81 ، فأنزل الله تعالى عليهم عقوبته في الحياة الدنيا بسبب هذا الفعل الذي تشمئز النفوس الطاهرة ، فقال تعالى : ( فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ، وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ) الأعراف : 83 - 84 .
لذلك فإن الله تعالى بيَّن الحال التي يصل إليها كل من يحاول معاندة الفطرة والقوانين الربانية الرشيدة بأنه سيكون فريسة للحيرة والقلق المستمر ، والاضطرابات النفسية ، والأمراض الجسدية ، قال تعالى : ( كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) الأنعام : 71 ، ويقول الله تعالى : ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ) الأنعام : 125.
فعلى كل من شذ عن الفطرة وخالفها أن يتعامل مع فطرته التي خلقه الله سبحان وتعالى عليها من ذكر وأنثى لتستقيم الحياة ويتناسل الناس ، لتظل الانسانية تحمل هذا الاسم الجميل الذي يتفق والفطرة التي فطر الله الناس عليها .
فحريٌّ بنا المحافظة على دعاء سيدنا عليه يونس عليه السلام : ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) ، لأنه ثمرة من ثمرات فطرة سيدنا يونس عليه السلام ، فحريٌّ بكل مسلم أن يكثر منه .
سائلين الله تعالى أن يحفظ جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الأمير الحسين بن عبد الله وأن يوفقهما لما فيه خير العباد والبلاد ، إنه سميع مجيب
والحمد لله رب العالمين