حسن محمد الزبن - يستحضرني أبيات مما قاله الشاعر فواز حجو في انشودته الرائعة عن الثلج:
والثلجُ في الاَرضِ كالدِّيباجِ مُنْبَسِطٌ فكيفَ تمشي على الدّيباجِ مُنْتَعِلاَ؟
وكم لَهَونا بهِ، والأرضُ ضَاحِكَةٌ واللّهوُ بالثلجِ لم يَتْرُكْ بِنا خَجَلاَ
فَلَيْتَهُ دامَ هذا الثلجُ واغتسلتْ بهِ القلوبُ، ولم يَتْرُكْ بِهَا عِلَلاَ
ليس مستغربا أن تتوحد مع بياض الثلج مشاعر كل الناس، أغنياء وفقراء، أرستقراطيون وفلاحين، عقلاء ومجانين، هادؤون وعصبيين، وتثلج صدورهم كما هو الثلج على العتبات والشوارع والسفوح والهضاب والجبال، ويتوحد النبض المتدفق من القلوب، وتنساب لغة بطهر البياض، فلا أقنعة ولا وجوه ملونة، ويعبرون بلهفة الشوق بعد الغياب، ويملؤون الأمكنة رفقة وأصحاب، فلا هم يشغلهم، قدر رشفة قهوتهم على شرفات تضج بالضحك والضباب، ويمدون أيديهم من خلالها، لالتقاط حبات برد لها وقع الحصى، أو لتحتضن دثار قطن سماوي، أمام هذا الطهر والنقاء، يعودون بالذاكرة للطفولة، ويغمضون أعينهم على الأحلام والذكريات، وتطيل العيون التأمل، للحظات الأمس البعيد والقريب، فلا هموم وأشجان تقلقهم، وهم يرقبون ما يتطاير من ندف الثلج، وهو يخطو بخطاه الوئيدة الهامسة، ليخلد نفسه ذكرى، ويبقى ألق حضوره الرقيق الهادئ ينعش الذاكرة، وتتبعثر اللغة في حضرة الضيف، ويتعمق الانسجام، والكل يصغي لأعماقه، ويسمع رجع الذات، ويحتضن الكلمات والهمسات الغير معلنة، وتبقى مدفونة للبهجة.
وفي رحابة هذا الامتداد الأبيض وكأنك تفتح دفترا لم يكتب عليه حرف، وتتأمل هذا النقاء، وتخشى أن يخدش بمرور العابرين، وفوضى العاشقين، والإخوة والأصدقاء، وهم يستجمعون بين أيديهم كرات من الثلج للهو واللعب، فالثلج قدوة خير يحمل بشرى، إنه يعيد تشكيل كل المشاعر والأحاسيس إلى الفطرة التي ولدنا عليها، ونختصرها بفترة مكوثه على الأقل لنكون أنقياء، ويا ليت نبقى على سجية النقاء ونكمل مشوار الحياة، فلا نمضي إليها ونحن نلبس العديد من الأقنعة، ولا مزيدا من النفاق، حياة وخاتمة، لأنفسنا والمجتمع والوطن.
إلى هنا وهذا السطر اترككم مع الفرح والبهجة المؤقتة، لأن النور انقطع عن الحي، وأكمل لكم بعد المضي لرحلة البحث عن شموع في الدكاكين والبقالات والمولات في المنطقة، لعلي أحصل على بعض ما تبقى منها، لكن المفاجأة أن كل من بالحي قد سبقني للحصول عليها، وكلما خرجت من بقالة أدعو الله أن أجدها عند الآخر، لكن عبثا كان المرور والبحث حتى ظننت أنني لن أجدها، حتى مرّ بي صديق ويصر أن يرافقني، لنجد ضالتنا آخر المطاف، ونعود لنشعل الشموع في البيت على أمل أن لا يطول انقطاع الكهرباء، لكن لا عليكم، ...، الحمد لله بعد ما يقارب ثمانية عشر ساعة تم عودة النور للحي، وهو جهد عظيم يستحق الثناء، كما أنه زمن قياسي لخدمة المواطن، شكرا.. شكرا لمن يستحق.