الإصرار على البقاء في مساحات العزلة السياسية من قبل الأخوان المسلمين، قرار ربما غير مفاجئ، بقدر ما هو مستغرب من قبل النخب السياسية والحزبية، وحتى من قبل المواطنين، ففي قرارهم الأخير عدم المشاركة في الانتخابات البلدية ومجالس المحافظات المقررة في الثاني والعشرين من آذار المقبل، المضي في درب المقاطعة بالحضور في مجالس صنع القرار المنتخبة، وممارسة ما يطلق عليه مراقبون «الحرد السياسي».
القرار قوبل باستغراب من قبل الكثيرين وتحديدا من قواعدهم الشعبية والحزبية، ذلك أن هذه الزاوية من العمل الحزبي السياسي اعتقد كثيرون أنهم تجاوزوها بعد قرارهم المشاركة في الانتخابات النيابية، ومغادرة مساحات السلبية والعزلة في التعامل مع الأحداث والمشاركة في الانتخابات وبقوّة، سيما وأنهم يتمتعون أو كانوا يتمتعون بقواعد شعبية وحزبية واسعة، لم تأت من فراغ إنما راكموها عبر سنين، ولكن للأسف في مثل هذه القرارات وتحديدا الخاص اليوم بمقاطعة الانتخابات البلدية واللامركزية يدفعون بمنجزهم الحزبي وحتى السياسي نحو واقع مهزوز يُفقدهم أكثر مما يُكسبهم، فالبقاء في ظلمة العزلة السياسية والانتخابية يقصيهم عن مواقع الحوار الديمقراطي الذي بات أساسه اليوم صناديق الاقتراع.
الإصرار على اقصاء الذات عن معترك الساحة السياسية التي تعدّ بها صناديق الاقتراع الحاسم الرئيسي لحجم الحضور من قوّة أو ضعف، هو اصرار على البقاء في الظل، وفي ذلك أكثر مدارس السياسة سلبية، فمن يثق بحضوره وقدرته السياسية والحزبية وحتى الشعبية، لا يبتعد عن تفاصيل المشهد السياسي، بل على العكس يصرّ على الحضور وممارسة حقه الذي منحه له الدستور في الانتخاب، والحصول على المقاعد التي تفرزها الانتخابات، دون ذلك يسمّى ابتعاد عن المواجهة السياسية العملية واختيار للبقاء في الظل والعمل من وراء حجاب، وفي ذلك سلبية سياسية.
خلافا للمتوقع جاء قرار الاخوان المسلمين، فقد رأى كثيرون أن في خوضهم للانتخابات البلدية تأكيد على حضورهم الايجابي في المشهد السياسي المحلي، والذي بات مؤخرا يشكّل نموذجا من نماذج العمل الحزبي المقبول، ولكن على ما يبدو أنهم قرروا الرجوع للخلف بدلا من التقدّم للأمام في ظل مسيرة التحديث السياسي التي تعيشها المملكة، وأن يدخلوا مئوية الدولة الثانية بذات النهج السلبي المحاط بضبابية المواقف والغياب عن منابر الحوار التي تبدأ ويُؤسس لها من خلال صندوق الاقتراع.
ظنّ البعض أن الأخوان عادوا للتغريد في سرب الاصلاحات السياسية، والدخول في معتركها، لكن على ما يبدو أن عقلية انتظار المحطة القادمة لقطار مسيرتهم ما تزال تسيطر على مفاهيم بعضهم، ظنّا منهم أن القادم أفضل، وأنه ما يزال أمامهم ما ينجزوه لجني مكاسب أكثر في أي معركة انتخابية، إلى جانب سعيهم لنيل مكاسب اجتماعية يرون أن في مثل هذه المواقف يحصلون عليها، ناهيك عن حبّهم للبقاء في مساحات «اللامكان» سياسيا، بقرار منهم بطبيعة الحال لأن جهودا كثيرة بذلت على مدار سنوات حكوميا وسياسيا وحزبيا لدمجهم في المشهد السياسي، لكن للأسف على ما يبدو أن قراراتهم محسومة قبل الإعلان عنها، وكل ما يصدر قبل اعلانها مجرد كلام.