زاد الاردن الاخباري -
اختلفت التكهنات بشأن دور القوى السياسية المعروفة في اليمن خلال فترة الحرب، وخلّفت محطاتُ التحوّل السياسي أسئلةً جمّة لا تزال بعضها معلقةً دون أجوبة، كما السؤال الذي يستفسر عن مدى قدرة الأحزاب السياسية في اليمن على صنع فارق في مسألة السلام المتعثر أصلًا؟، والحقيقة التي لا يمكن نكرانها هي أن المنظومة السياسية في اليمن أصبحت هشةً ومتقادمة إلى درجة أنه لم يعد بوسعها التخلّص من عبء الأجندة الخارجية الحاكمة لتوجهاتها.
ليس خافيًا أن الحرب في اليمن وهي تدخل عامها السابع على ضفاف أنهر من الدماء التي لا يتوقف نزيفها قد خلقت أزمة إنسانية مهولة تصنفها الأمم المتحدة الأسوأ في العالم، وبسبب غياب الدور السياسي المسؤول للقوى السياسية اليمنية في معسكر الشرعية، تطورت الحالة المأساوية، ذاك لأن الانقسام في المواقف وتقاطع الأجندة السياسية ونكوص بعض القوى عن تأدية واجباتها وفر للحوثيين بيئة ملائمة للتمدد والاستحواذ.
ونظرًا لاخفاق القوى السياسية في تهيئة قواعدها الشعبية للانخراط في المعركة ضد الحوثيين وصب جل اهتماماتها على تحاصص المناصب السياسية في الحكومة المعترف بها دوليا دون النظر إلى واجباتها الأساسية في مواجهة مشروع الحوثيين، ظلت تمارس "فن الاستحواذ" والقفز على مكاسب القوات المُقاوِمة لمشروع الحوثيين على الأرض، بدأت "قوى الميدان" تفكر في كيفية إنشاء سياج حصين لمنع القوى التقليدية عن السطو على هذه المكاسب واستغلال دماء المعركة.
في مايو 2017 شكل اللواء عيدروس الزبيدي "المجلس الانتقالي الجنوبي" ليكون الحامل والممثل السياسي للمقاومة الجنوبية التي كان يقودها آنذاك، وهنا بدأت لعبة التجاذبات السياسية تأخذ مجراها بكثيرٍ من العصبوية، رأت القوى السياسية -لاسيما حزب الإصلاح المتفرد حينها بقرار الحكومة- أن مستقبل تسلطها على القرار السياسي أصبح على المحك، خاصةً وأن القوة السياسية الناشئة تتكئ على مكاسب عسكرية كبيرة حصدتها من مواجهة الحوثيين.
ولم يغفل نجل شقيق الرئيس الراحل، قائد المقاومة الوطنية العميد طارق صالح عن المضي في ذات الطريق عندما استشعر خطر إبقائه خارج المعادلة السياسية وسعي القوى التقليدية لركوب الموجة على حساب ما حققته المقاومة الوطنية في الساحل الغربي بجانب القوات المشتركة وتمكنها من السيطرة على الشريط الساحلي حتى الوصول إلى مدينة الحديدة، ولذا أعلن في مارس 2021 تشكيل "المكتب السياسي" للمقاومة الوطنية.
استطاع المكونان الجديدان في الساحة كسب ود الجماهير، وحصل التفاف شعبي واسع حولهما، والمُثمر في الأمر أنهما -اي الانتقالي والمكتب السياسي- يرتبطان بعلاقة ودية ويجتمعان على العديد من الأمور، مثل ضرورة مواجهة جماعة الحوثي، وأهمية إصلاح منظومة الشرعية، وارتباطهما معًا بعلاقة متينة مع التحالف العربي الذي تقوده السعودية.
الالتفاف الشعبي حول المكتب السياسي والمجلس الانتقالي وإن حصنهما بمُتطلب الجماهيرية الطاغية، أتت مفاعليه عكسية على وضع القوى السياسية التقليدية التي تراجعت شعبيتها على الأرض، وأصبحت أدوارها محصورة على التحاصص السياسي في الحقائب الوزارية والمناصب في الدولة، وبدأ نجمها بالأفول في مقابل صعود مستمر للمكونيين الجديدين اللذين لم يسلما من حملات إعلامية منظمة تشنها ضدهما قوى سياسية ترى فيهما خطرًا داهمًا على مشاريعها وأجندتها.