في ليلة ظلماء موحشة قبل 5 أيام، سقط طفل مغربي لم يتجاوز عمره الـ 5 سنوات داخل بئر موحش بعمق 31 مترا وبقي يصارع الجوع والألم والخوف واللحظات القاسية أياما وليال وسط حشود هائلة من فرق الانقاذ والاسعاف والمتطوعين ولهفات والديه الذين طغى ضجيجهم على دموع وصرخات طفولة ريان المقهورة وأنفاسه الحبيسة بين صخور قاسية أكلت من صحته وقوته حتى خرج ليلة السبت جثة هامدة.
لحظات الترقب التي اجتاحت أنظار العالم في كل بقاع الأرض لم تهدأ للحظة وهي تتنظر انتشال ريان من داخل البئر ودعواتهم بأن يلبسه الله ثوب الصحة والعافية، فطفولته التي سيطرت على كل شيء يجول في هذا الكون خلال 5 أيام فقط كانت كفيلة بأن توصل رسالة حب مشبعة بنكهة الطفولة المحاربة أن حياة الإنسان مهمة، وهو الشعور الذي بات غائباً في ظل الأزمات والحروب وحالات القتل التي اجتاح صداها بشكل مبالغ فيه خلال الآونة الأخيرة في كل العالم حتى أصبحنا نفتقد الفرح الحقيقي الذي يلامس الروح.
ابتسامة ريان الملائكية ستبقى محفورة داخل عقولنا وقلوبنا وأجسادنا ما حيينا، كيف لا، وهو من أعاد لنا نبضات الحب واللهفة التي استملكتنا أملاً في أن يخرج ريان ،فقط ريان، ذلك الطفل الذي أحب العالم تسميته بـ"الطفل المعجزة"، "حيا يرزق".
ارادة الخالق كانت هي الفيصل والحاسمة في هذه الحياة الدنيا بكل ما يضج بها، اذ أن ريان أيقظ فينا أملاً ولكنه سرعان ما تحول لألم حين سلّمت روحه الطاهرة الأمانة لربها مودع طفولته التي ارتسم سرها بين أتربة الحفرة الضيقة داخل قاع الأرض ليعود للأرض بهدوء وحدّ أمة مبعثرة منذ قرون.
الرسالة وصلت يا ريان .. فارتجاف أوصالك وجسدك المنهك وهو يصارع من أجل البقاء ونحن نرى كل ذلك على الشاشات، علّمنا درسا لو بقينا نقرأ كتب التاريخ والحاضر والمستقبل ما تفجرّت مشاعرنا وتحركت كلحظة خروجك من البئر متوفياً لتودعنا بعدها بسلام وعجلة فطرت قلوبنا على رحيلك بأسمى معاني الطفولة الشجاعة.
الطفل ريان .. في رحاب الله الآن ولا قول يعزينا الا "إنا لله وإنا اليه راجعون"، فالله أحن وأرحم عليك يا ريان من الدنيا وما فيها .. هنيئا لك جميل صنعك في هذه الحياة أيها الملاك "ريان"!.