مكرم أحمد الطراونة - يضرب متحور أوميكرون بشراسة في الأردن، مسجلا أرقام إصابات غير مسبوقة، تجاوزت حاجز عشرين ألفا يوميا. هذه الأرقام تؤدي، بلا شك، إلى إرباك في التخطيط، وإلى توجسات عديدة حول إدامة عمل القطاعات. لكن ذلك يتوجب ألا يمنع الجهات الرسمية من امتلاك منظور حقيقي للتخطيط حول إدارة دفة البلد في هذه الأزمة.
في الجانب الآخر من المعادلة، تبدو الحكومة مطمئنة إلى قرارها “القاطع” بعدم اللجوء إلى الحظر الكلي أو الجزئي مهما كان شكل الحالة الوبائية، وإصرارها على أنها ماضية إلى بدء الفصل الدراسي الثاني كما هو مخطط له في العشرين من الشهر الحالي، دافعة بأكثر من مليوني طالب إلى الغرف الصفية.
هذا أمر جيد، فنحن نريد أن تبقى القطاعات مفتوحة تجنبا لمزيد من المعاناة الاقتصادية، كما لا نريد تعليما عن بعد نخسر فيه جودة التعليم. مثل هذه التصريحات قد تسهم في طمأنة القطاعات الاقتصادية المختلفة، والتي عاشت عامين قاسيين جراء الجائحة وتداعياتها، كما تسهم في طمأنة الأهالي بأن أبناءهم سينالون تعليما جيدا. ولكن ماذا لو أردنا أن نفحص موضوعية هذه التصريحات، فهل سنرى لها أساسا واقعيا في ظل الظرف الحالي، وما هو متوقع من تفاقم الأزمة الوبائية؟!
تأتي القرارات الحكومية بشأن الحالة الوبائية اعترافا بتقديم الشأن المعيشي للمواطن، ومصلحة القطاعات الاقتصادية وإدامتها، على أي تخوفات أخرى قد تخلقها الحالة الوبائية، خصوصا أنه تم اختبار القطاع الصحي الأردني في موجات سابقة خلال الأشهر السابقة، وثبتت جدارته وقدرته على استيعاب الصدمة، والتعامل مع أعداد كبيرة من الإصابات، وإدامة عمل القطاع في خدماته المختلفة للمرضى.
مثل هذا الأمر شكل محطة راحة للمؤسسات المعنية، وربما ساهم في اتخاذ قرارها بعدم اللجوء إلى الحظر أو الإغلاقات كخيار تحت أي ضغوطات. لكن الأمر مع أوميكرون يبدو مختلفا إلى حد ما، فسرعة انتشاره الكبيرة تجعل منه تحديا مضاعفا للقطاع الصحي المحلي، وتؤدي إلى استنزاف هذا القطاع بموارده المختلفة، والبشرية منها على وجه الخصوص.
إنكار الحالة الخطيرة التي وصل إليها المنحنى الوبائي اليوم، وادعاؤنا بالقدرة على إدامة عمل القطاعات تحت كل الظروف، لا يعد أبدا منطقا سليما للتخطيط، إذ علينا استشراف المستقبل الذي ما يزال غامضا أمام العالم كله تجاه السيناريوهات المرتقبة لتطورات الجائحة.
في أي عملية تخطيط لا يجوز أن نركن أبدا إلى خيار وحيد نتشبث به دون غيره، بل علينا أن نمتلك خططا بديلة للظروف الطارئة، نلجأ إليها لمواجهة التحديات المختلفة، وتقليل الخسائر قدر المستطاع.
على الحكومة أن تكون لديها رؤية واضحة للتعامل مع الإصابات في حال قفزت إلى ضعفي أو ثلاثة أضعاف الأعداد المسجلة اليوم. عليها أن تضمن إدامة تقديم الخدمات في حال اضطرت في أي لحظة إلى فرض الإغلاق مرة أخرى. لن يكون مقبولا أن تقول إن خيارها الوحيد هو عدم اللجوء إلى الحظر أو الإغلاق. قد نقبل مثل هذه التصريحات من باب طمأنة الناس والقطاعات، وليس من باب الواقعية والبراغماتية.
لست سوداويا لكي أسوق مثل هذا الطرح، ولكنني، فعلا، لست متفائلا بالوضع الوبائي الذي وصلنا إليه، ولدي سيناريوهات درامية للمستقبل. وهي السيناريوهات التي يتوجب على الحكومة امتلاكها لكي تجنبنا كثيرا من المعاناة.