مهدي مبارك عبد الله - منذ أكثر من سبعين عام والدم الفلسطيني يهرق والأنفس تزهق غدرا وعدوان علي يد المحتلين الصهاينة يوم الثلاثاء الماضي 8 / 2 / 2022 زفت فلسطين قاطبة ومحافظة نابلس عاصمة جبل النار بالضفة الغربية ثلاثة من أبطالها الشباب الذين ارتقوا عقب مسيرة مشرفة وحافلة بالنضال والجهاد والمطاردة والتصدي لعربدة الاحتلال بعدما اقتحمت قوة إسرائيلية خاصة حي المخفية بمدينة نابلس القريب مِن مقر سجن جنيد والذي يتبع لأجهزة أمن السلطة
حيث وصل المجرمون الى المدينة بمركبة عمومية تحمل لوحة تسجيل فلسطينية واعترضوا بشكل مفاجئ طريق سيارة خاصة كان يستقلها ثلاثة شبان فلسطينيين حيث أطلقوا النار بكثافة صوبهم ما أدى إلى استشهادهم على الفور وهم ( أدهم مبروكة ومحمد الدخيل وأشرف مبسلط ) وهو ما أكد وبشكل واضح عجز الاحتلال عن مواجهة الشباب الثائر بشكل مباشر وعدم قدرته على وقف الثورة المتجذرة في نفوسهم إضافة الى خشيته المستمرة من تصاعد الفعل النضالي والمقاوم في مختلف مناطق الضفة الغربية
عملية الاغتيال الصهيونية الجبانة غير معتادة تمت في وضح النهار شارك في تنفيذها قتلة محترفون من وحدة اليمام التابعة للجيش الاسرائيلي وجهاز الشاباك حيث التحمت دماء الشهداء الزكية بالجغرافيا والنبض الوطني في مشهد مؤثر امتزجت فيه البطولة وذاكرة المقاومة ومعالم التضحية أمام غطرسة الاحتلال والمستوطنين الذين يعيثون في الأرض المقدسة فساداً عبر الاعتداءات الوحشية والقتل والهدم والدمار واستمرار سياسات التوغل والاستيطان والاستهداف المنظم والتي لم تفت يوما في عضد المقاومة وابطالها
اغتيال ثلاثة مقاومين بهذه الطريقة الوحشية في عقر دار السلطة الفلسطينية بعد اعتبارهم خلية نشطة للمقاومة الفلسطينية تم تصفيتها بحجة انها كانت مسؤولة عن 6 عمليات إطلاق نار على مستوطنات ومركبات عسكرية دون وقوع إصابات في الآونة الأخيرة وأنهم قد كانوا بالفعل في طريقهم لتنفيذ عملية ضد اسرائيل وقد تم استباق تنفيذهم للعملية بتصفيتهم حسب المزاعم الإسرائيلية المشكوك فيها دائما
لا يمكن بأي حال اعتبار هذه الجريمة الغادرة حدثا عاديا وعلى وجه التحديد بسبب انتماء الشهداء الثلاثة لكتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح والتي عملت السلطة الفلسطينية كل جهدها لإنهاء وتصفية وجودها في العقد الأخير حيث اختفت لعدة سنوات
الا ان عملية الثلاثاء الحمراء جاءت لتعيدها للواجهة من جديد وتظهر عناصرها المسلحين مجدداً في الشارع بسلاحهم بعد أن ظنت إسرائيل أنهم اختفوا منذ فترة طويلة بعد الانتفاضة الثانية ليشعلوا اليوم الضفة لهيبا تحت أقدام الاحتلال وأعوانه ويطلقوا مرحلة الثورة المتقدمة ضد المحتل وسط تزايد دعوات الانتقام لدماء الشهداء ومواجهة جرائم الاحتلال والمطالبة بتنفيذ سلسلة من العمليات تجاه دورياته وتجمعاته ومستوطنيه حيثما كانوا كرد أولي على الجريمة ضمن مسيرة المقاومة الطويلة نحو الحرية والاستقلال
الاستهداف الدامي والمباغت يوضح من جديد بأن هذا الكيان العنصري الإجرامي قائم على القتل والاجرام وسفك الدماء وان هذه الجريمة مكتملة الأركان تتمثل في إعدام ميداني لثلاثة شبان فلسطينيين بدم بارد وهي تضاف إلى السجل الاجرامي الطويل لهذا الكيان المجرم الممتد منذ احتلاله لأرض فلسطين وحتى يومنا هذا كما انها تندرج وتصنف وفقا لمبادئ القانون الدولي بجريمة ضد الإنسانية بكل ما تعنيه الكلمة
وقوع هذه الجريمة المروعة في قلب نابلس وفي وضح النهار يمثل استخفافاً سافراً من قبل العدو الإسرائيلي بالسلطة وقادتها المنشغلين عن الأولويات الحقيقية لشعبهم في مواجهة المعتدين وحماية المواطنين والأرض المقدسة وامام كل ذلك يتوجب على السلطة الفلسطينية أن تستثمر هذا الحدث ( الجريمة البشعة ) وتقوم بشكل فوري وعاجل بملاحقة الاحتلال الصهيوني أمام المحاكم الدولية وخاصة المحكمة الجنائية الدولية وترفع دعوى جنائية دولية عاجلة لمحاسبة الاحتلال على هذه الجريمة النكراء وكل الجرائم السابقة التي قام بها بحق الشعب الفلسطيني خصوصا ان الجرائم الدولية لا تسقط بالتقادم
ما حدث بحق الشهداء الثلاثة هو دليل واضح ودامغ بأن هناك تعليمات عسكرية واضحة وصريحة من قبل قيادة جيش الاحتلال لكل جنوده ومستوطنيه بقتل الفلسطينيين واعدامهم وهو ما يعكس العقلية الاحتلالية العنصرية اتجاه الشعب الفلسطيني وان هذه الأفعال الوحشية تجسد مدى إجرام هذا الاحتلال وسياسته التي تعكس مستوى الانحطاط الأخلاقي العميق الذي وصل إليه جنوده خاصة وإن اتفاقات أوسلو لا تمنح أحداً حصانة كما قال وزير الاتصالات الإسرائيلي يوعز هندل
تعلم اسرائيل جيدا ان نهج الاغتيالات مسار ضعيف ويمثل سياسة فاشلة ولا يمكن أن يوقف المقاومة أو أن يردع المقاومين والمجاهدين من أبناء الشعب الفلسطيني الغاضب والثائر في وجه الإجرام الصهيوني المتفشي في قلب مدن الضفة الغربية المحتلة
على مرأى ومسمع من سلطة رام الله التي تشارك العدو الإسرائيلي وتمكنه من إعدام وقتل المقاومين والمجاهدين من خلال التنسيق الأمني المقدس كما تقدم للاحتلال معلومات دقيقة حولهم في الضفة الغربية المحتلة وتوفر له هامش حرية مطلقة للعمل عسكريا في عمق مناطقها ضدهم
كما تبادله الدور في جريمة اعتقالهم وملاحقتهم وتعذيبهم سعيا منها لإخماد الثورة الملتهبة في الضفة المحتلة ومحاربة كل من يرفع لواء المقاومة المسلحة في الوقت الذي كان يتوجب عليها تأمين ظهور المجاهدين وحمايتهم من أي غدر اسرائيلي وإسنادهم بكل السبل والإمكانات ودعم مسيرة المقاومة لتحقيق التطلعات الوطنية بالتحرير والعودة
ما حدث في عملية تصفية المقاومين وما يحدث في كل لحظة من قبل الاحتلال ضد أبناء الشعب الفلسطيني يجب أن يكون دافع نحو وحدة وطنية ومصالحة حقيقية وهي دعوة صريحة لمغادرة مربع التسوية الظالمة والتنسيق الأمني المخزي مع العدو وتفعيل المقاومة والثأر لِدماء الشهداء مِن قبل أبطال الضفة الغربية المحتلة بالانتفاضة في وجه المحتل والرد على الجريمة البشعة بحجمها ومواجهة العدو الصهيوني وأتباعه بالكمائن والهجمات الموجعة والضرب بيد من حديد في العمق الإسرائيلي والمستوطنات وكل الأراضي الفلسطينية المحتلة وفقا لمبدئ المعركة ستبقى مفتوحة ( القتل بالقتل والقصف بالقصف والرعب بالرعب ) ورد الصاع صيعاناً
لا بد أن يكون هناك رد مزلزل يساوي حجم الذي حدث ليكون درساً للمعتدين يجعلهم يفكروا كثيراً قبل الإقدام على مثل هذه الفعلة مرة أخرى بكسر كبرياء الاحتلال وأن يوصل له رسالة بأن كتائب المقاومة المختلفة لا يمنعها الإغلاق والحصار مهما كان نوعه عن تنفيذ العمليات العسكرية متى أرادت وفي أي مكان وأن هذه الجريمة الجبانة لن تزيد المقاومة إلا قوةً وعزيمةً وإصراراً على المضي في طريق الجهاد حتى تحرير كامل فلسطين من دنس الغاصبين والمعتدين الصهاينة وسيبقى أثر الشهداء الابطال وسلاحهم أمانة يحملها الشباب الثائر والمقاومين الشجعان
وأن حقد المحتل وغزارة دماء الشهداء الذين ارتقوا في نابلس هي شاهد جديد على أن المقاومة هي الخيار الأوحد القادر على حسم الصراع مع العدو والذي لن يتوقف ولا تحسمه إلا قوة الإرادة التي يجسدها الصمود وثبات المقاومة وسلاحها المشهر في وجه العدو وأن هذه الجريمة الإرهابية لن تمر دون رد رادع وقاس
لا يفوتنا قبل الختام ان نسجل اعتزازنا الكبير ببطولات الشهداء أبطال جبل النار الذين بثوا الرعب في نفوس جنود الاحتلال ومستوطنيه وهم يواجهون مجرمو العدو ووحداته الخاصة بصدور مفتوحة ووجها لوجه حتى اللحظات الأخيرة من حياتهم وستبقى دمائهم الزكية نور للثوار ونار على الاحتلال ووقودا لثورة مستمرة يقودها أهل الضفة في وجه الاحتلال وقطعان مستوطنيه وهم يدركون أن الاحتلال لا يفهم إلا لغة واحدة هي لغة القوة والبندقية وأن طريق المفاوضات والسلام لم تزيد القضية الفلسطينية إلا ضياع وتدمير وخنوع واستسلام حيث يعلم العدو أن المقاومة لن تهدأ وأن التنسيق الأمني لن يحميه ولن يحمي مستوطنيه
أحر التعازي واصدق المواساة لذوي شهداء كتائب شهداء الأقصى وتحية الاكبار والاجلال لأهالي مدينة نابلس الباسلة التي سطرت على الدوام صفحات مشرقة بنور المجد والخلود عبر كل محطاتها المشرفة في مقاومة ومواجهة الاحتلال والفخر والاعتزاز بأبطال كتائب شهداء الأقصى القابضين على الزناد في الضفة إلى جانب قوى وفصائل المقاومة الأخرى سائلين الله تعالى ان يرحم الشهداء و ان يسكنهم فسيح الجنان
mahdimubarak@gmail.com