ما هو دارج أن رؤساء الحكومات منذ تبدّت أزمة الصحافة الورقية أنهم يواجهون الأزمة بمقولة أن الصحف لم تعد ملكاً للحكومة وأنها شركات، وغير قانوني دعمها مباشرة، وقد سعى بعض الرؤساء لوضع المسألة على طاولة البحث، لكن النتيجة كانت تراكم الأزمة، والحل كان غالبًا محصورًا بذهنية تغيير وتبديل رؤساء مجالس إدارة الصحف جاء غالبيتهم من خارج الكار الصحفي باستثناء حالتين للزميلين الأستاذ محمد التل في الرأي والأستاذ محمد داودية في الدستور، وكثير ممن جيء بهم لحل الازمة كانوا من أساب تفاقمها، والبعض حاول واجتهد، لكن الأزمة ظلّت أزمة إعلام بالدرجة الأولى.
الحكومات كانت تسهم في الأزمة، والصحافة كمهن باتت على مفترق طرق وبعضها لم يراع التحول الرقمي وعالم الاتصال الجديد، لكن ما الذي يمكن ان يحدثه الرئيس بشر الخصاونه؟ في حديثه مع جمع من الكتاب قبل نحو شهر اكد الخصاونه على أهمية الصحف الورقية، واهمية ايجاد مخرج قانوني، واهمية تطوير المهنة بما يواكب التحولات الجديدة.
على أرض الواقع لدينا صحيفتان ورقيتان تساهم بهما الحكومة، من خلال صندوق استثمار أموال الضمان هما: الدستور والرأي، وكلا المؤسستين بحاجة لدعم لحل ازمتيهما، ثمة تأخر في الرواتب غير مقبول، ومشاكل في توفير الورق والاحبار تتكرر كل شهر ويوم. لذا، يجب احداث حلول هيكلية داعمة وليست تفكيكية، والحكومة تعرف أهمية هاتين المؤسستين في تاريخ الدولة، والرئيس الخصاونة تحدث لنا عن أزمة تفكيك المؤسسات وماذا خلّفت، وهو يتحدث بعمق وفهم كبيرين لفوضى تفريخ المؤسسات والتشوهات التي حدثت، فعند الرجل وعي كاف لجعل الحل اليوم يأتي من طرف حكومته وان لا يترك الأمر لخلفه الذي سيأتي من بعده.
الخصاونه مُطمئن في حديثه عن الصحف، ويدرك أن دولة بلا صحافة كدولة بلا شركة خطوط جوية وطنية، ولهذا يجب الاستثمار في رؤيته ودعمها، ويجب التفكير بتحول رقمي في المحتوى الصحفي ينافس الموجود، ويراعي في المقابل خصوصية الصحافة كوارث وحيد لمؤسسات الدولة الأيدلوجية العميقة.
اليوم لدينا ازمة تتفاعل، وزملاء لم يستلموا رواتبهم ونفقات يومية متكررة في الصحف يصعب توفيرها.
تستحق الصحف ضخ أموال بها لإعادة حيويتها لها، فهي الداعم الذي لم يتغير في مواقفه، والمنابر التي لم تتلون ولم تنحاز إلّا لحكومات الملك والدولة وهموم الناس.
لم تبِع الصحف الورقية مواقف لرجال اعمال، ولم تنزل للشارع الغاضب الذي اخترق مرات عديدة لمصالح قوى محليّة أو عابرة، بل عبرت عن هم الشارع الوطني، ولم يدفع أحد لها كي تغسل اخطاءه.
ثمة جهاز تحرير محترم في الصحف الأردنية الورقية كلها، وثمة مواقع الكترونية اكتسبت الكثير من التجربة وطورت من الحالة الصحفية ورفعت السقف المهني وهي مكسب للإعلام الأردني، وكانت حصيلة جهود ريادية لمنشئيها. بيد أن الأمر يحتاج لمن يدرك قيمة الإعلام الاستثمار به.
ليس من المعقول ان نطلب تطوير المحتوى أيضا ورئيس التحرير يعرف ان مندوب الصحيفة لا يملك ثمن جرة الغاز أو بنزين السيارة أو حتى اجرة التكسي، لذا يجب توفير الدعم وإعادة التفكير بمنزلة الصحافة بشكل عام في الدولة ورفع شأنها، فما يدفع لمؤسسة بعينها او ما يدفع على مناسبة بعينها من مبالغ كبيرة، يمكنه ان يعيد للصحف بريقها ويحل معضلتها.
اليوم انتقلت الازمة الصحفية لتصل مسامع الناس تحت قبة البرلمان والشارع، وثمة تعهد من الرئيس الخصاونة بحل، وفي المقابل ثمة زملاء تحتاج أسرهم لحاجيات مؤجلة ورواتبهم لم تصرف منذ شهور؟؟