سلامة الدرعاوي - مؤسف مستوى الحوار الذي وصل إليه البعض في نقاشه الاقتصاديّ، فكل طامح إلى ” نمرة حمراء”، وكل من يملك صفحة سوشال ميديا او موقعا الكترونيا، او كل من لا يملك عملاً، وكل من خسر عطاء في الدولة يشن حربا شعواء على الاقتصاد، ويصفه بأبشع الصور، ولا يرى غير ما يريد ان يراه ويفسره حسب هواه، مستغلا حالة الاستياء العام في قطاع الشباب بسبب البطالة وتداعياتها، ليزيد الاحتقان بخطاب تأزيمي عقيم.
المشهد الاقتصاديّ العام صعب، وهو صعب على الدوام، وما يمر به ليس استثناء، بل حالة طبيعية ممتدة منذ سنين ان لم تكن عقودا، فالاقتصاد الوطنيّ فيه اختلالات هيكليّة جسيمة من فترات طويلة، تتم مواجهتها بإجراءات غالبيتها سياسية وأمنية واقتصادية، ويد العون الخارجي تساهم هي الاخرى في ذلك، والإصلاح الداخلي يقاوم بشدة من الغالبية التي تنادي بالإصلاح بشكل تنظيري.
الاقتصاد لن يدخل “بالحيط” ، كما يصفه البعض، فكما أن هناك مؤشرات سلبية في الاقتصاد، أيضا هناك مؤشرات إيجابية كثيرة وتستحق الوقوف عندها، بمعنى آخر، ان الاقتصاد مزيج من التحديات والفرص في آن واحد، ومواجهة التحديات لا تكون بسلوكيات شعبوية وتأزيمية، لكن بالعمل الاقتصاديّ الممنهج والمدروس والمؤسسي.
مؤشراتنا السلبية التي تحتاج إلى وقفة مراجعة وتصدّ بالشراكة مع القطاع الخاص هي تباطؤ النموّ الاقتصاديّ بحدود الـ2 % و 2.7 % في عامي 2021 و2022 على التوالي، وعجز في الموازنة بنسبة 5.2 % بعد المنح، ودين بمقدار 38.819 دينار، او ما نسبته 114.7 % من الناتج المحليّ الإجمالي، وبطالة بحدود الـ23.2 %.
المؤشرات السابقة هي مؤشرات سلبية لكنها ليست بذلك المشهد القاتم والمعتم، فكل ما نحن بحاجة اليه هو السير بثبات صوب عمليات اصلاحية حقيقية في الموازنة، وتعود الامور الى منحناها الآمن بشكل تدريجي، وهذا يتطلب رؤية اقتصادية ثابتة من الحكومة كلها وليس من وزير الماليّة وحده، فالالتزام بالإصلاح المالي واجب على جميع الوزراء.
ورغم ان المؤشرات السابقة سلبية بكل معانيها الاقتصاديّة، لكنها افضل بكثير مما كانت عليه نهاية عقد الثمانينيات خاصة عند حدوث أزمة الدينار سنة 1989.
لكن هناك أيضا مؤشرات اقتصادية إيجابية أفضل بكثير مما يعتقده البعض، وهي مؤشرات حقيقية تدلل على ان الاقتصاد قادر على مواجهة اي تحديات، لا بل تؤكد الفرص الواعدة التي يملكها الاقتصاد الوطنيّ.
فالجهاز المصرفي بقيادة البنك المركزي في أقوى حالاته، ويمتلك أداء متميزا على كافة الأصعدة، والتقرير الذي تناولته بعض وسائل الإعلام مؤخرا عن حدوث كارثة وشيكة في ديون القطاع المصرفي غير صحيحة على الإطلاق، وهي من وحي بعض “المتفلسفين” لا أكثر.
فنسبة كفاية رأس المال في البنوك تبلغ 18.3 % وهي أعلى بكثير من الحد الأدنى المطلوب من البنك المركزي (12 %) ومن لجنة بازل (10.5 %).
ونسبة السيولة القانونية 136.2 %، وهي سيولة مرتفعة وأعلى من الحد الأدنى المطلوب من البنك المركزي (100 %)، في حين ان نسبة الديون غير العاملة 5.2 %، مرهونة بنوعية أصول جيدة، وهي نسبة منخفضة وضمن المستويات الآمنة عالمياً ولا يوجد اي مؤشرات على تناميها، وللعلم ايضا نسبة الالتزام بالسداد في النافذة التمويليّة التي أطلقها البنك المركزي بقيمة 700 مليون دينار لدعم الشركات المتوسطة والصغيرة شبه كاملة ولا يوجد اي تعثر فيها.
الموجودات المصرفية في العام 2021 تناهز الـ61 مليار دينار، بنسبة نمو 7 % عن العام 2020، والودائع تزيد على 39.522 مليون دينار، بنموّ 7.4 %، والتسهيلات فاقت الـ30 مليار دينار وبنسبة نموّ تزيد على 4.9 %.
واحتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية وصلت الى مستويات غير مسبوقة (18 مليار دولار)، وهي مستويات تعتبر مريحة ونسبة تغطيتها للمستوردات تزيد على التسعة أشهر.
نعم هناك أوضاع اقتصادية صعبة يمر بها الاقتصاد الوطنيّ بسبب اوضاع داخلية وخارجية معاً، وهناك فرص اقتصادية ومؤشرات إيجابية في كثير من القطاعات، والامر ليس بسوداوية ما يطرحه بعض المأزومين “نفسيا”، او المنحرفين “عقليا”، الذين يستغلون احتياجات الناس ويوظفونها لمصالحهم الشخصية لأغراض شعبوية بحتة.