ماهر ابو طير - يتشاغل السياسيون في الأردن، بالصراعات، فيما بينهم، وضد بعضهم بعضا، بما يكشف ان كل الطبقة السياسية، تترصد ببعضها بعضا، بطريقة مريعة، تعبر عن سوء هذا المشهد.
كل الاولويات في الأردن غائبة، وأهمها تحسين الوضع الاقتصادي، وحل مشكلة البطالة، وترميم الروح المعنوية للأردنيين، واستعادة الثقة بين الناس، والمؤسسة الرسمية، إضافة إلى أخطار الجوار، وغير ذلك من ازمات تبدأ بملف المياه، وتمر بالصحة والتعليم، وتنتهي بكل شيء.
على هامش اولويات الأردنيين، يجد السياسيون وقتا للتنابز بالالقاب، والطعن في الظهر، وتبادل الاتهامات، فيما بينهم، والادهى والأمر، ان كل واحد منهم يريد ذات الهدف، اي تبرئة تجربته، وتحميل وزر الوضع الحالي للآخرين، وهذه ظاهرة بتنا نراها خلال السنوات القليلة الماضية، وربما لم تستثن احدا من السياسيين، فالكل يعبر عن صراعاته الصغيرة بطريقته المكشوفة.
هذا الوضع تسبب ايضا، بتواري سياسيين محترمين عن الانظار، فقد قرروا الابتعاد وترك هذه المناطحة لمن يريدها، لأنهم يعلمون انها غير منتجة، ومحرقة شخصية، فوق انها تجتذب ردود فعل سيئة من الأردنيين الذين يقصفون اليوم كل سياسي حالي، او سابق، ويسألوه عن تجربته وماذا فعل هو ايضا، مع اعرابهم عن عدم تصديقهم لكل هذه الحكمة التي يفيض بها علينا.
ازمة السياسيين في الأردن، تكمن في الاساس، ان كل واحد منهم يريد ان يكون عراب المرحلة، وإلا فالأردن خربة، على كل المستويات، كما تتجلى ازمتهم في كونهم كانوا يشتكون سابقا من غيابهم عن مراكز القرار، بعد خروجهم، وعدم حصولهم على تحديث للمعلومات، حول آخر القضايا، مما دفع عمان العليا، ذات مرحلة، الى تحديث معلومات كل السياسيين السابقين بشكل منتظم، حتى لا يتذرعوا بغياب المعلومات عند حركتهم، او حديثهم، او نشاطاتهم، لكن الذي حصل كان أسوأ، حيث اختبأ جزء منهم وفضل الابتعاد عن مواجهة الجمهور، وقام جزء آخر بمواصلة اللعبة ذاتها، اي البحث عن شعبية، ومحاولة التحلي بجرأة زائفة، في وقت كان الجمهور قد وصل الى رأي يقول ان كل هذه الطبقة مسؤولة عما نحن فيه، ولا نستثني منهم احدا وفقا لتعبيراتهم.
لا يحرم على السياسي ان يتحدث، ولو عدنا الى ارشيف التصريحات التي ادلى بها سياسيون، ووزراء سابقون، وغيرهم، في برامج تلفزيونية، او ندوات، او مقالات، او جلسات، لوجدنا فيضا من هذه التصريحات، الحافلة بالغمز واللمز من غيرهم، واذا حللنا الصورة الاجمالية، وصدقنا تماما ما يقولون فإن الخلاصة تقول ان من يحكم الأردن هم الاشباح، وليسوا هؤلاء، وكأننا امام فاعل مبني للمجهول في هذه الديار، التي أكلنا وجهها بسوء افعالنا، وتدبيرنا، ومصالحنا الصغيرة.
هذا الكلام ليس تجريما في المطلق بحق اي سياسي يتحدث في الأردن، فلا احد له حق منع الكلام، لكننا امام ظاهرة نادرة في العالم، شخوص المعارضة، تؤدي دورا يتشابه مع ذات دور شخوص الموالاة، او لنقل العكس، وكأن الطرفين اتفقا على نقد الواقع، مع اختلاف الدوافع في كل حالة، ووفقا للشخص، ومضمون كلامه، واذا كان هذا المشهد يعبر عن خطورة جوهرية، وهي خطورة لا يمكن التخفيف منها، عبر الحديث عن حرية النقد ومشروعيته، فإننا امام الظاهرة الاكثر غرابة، فالكل يطلق النار، لكن الفرق ان المعارض يطلقها مع صراخ وعويل، فيما المسؤول السابق والموالي يطلقها مع بسملة، وقليل من العسل الذي يتم به طلي الكلام، لجعله اقل كلفة، وأهون على السامعين، وكل هذا يصب على العصب العام في الأردن، ويحرف اتجاهات البوصلة.
لنتوقف عن كل هذه الصراعات، وهذا التشاغل غير المنتج، وقدح بعضنا بعضا، ولنسأل بعيدا عن الشخصنة، الى اين يسير الأردن، فيما إذا اصروا على مواصلة لعبة قدح بعضهم بعضا فليكملوا، ودعونا نتسلى ونتفرج، في هذه البلاد الطيبة التي امتحنها الله بالصبر، هي واهلها.
العمل السياسي يفرض على صاحبه التقدم بوصفة حل مفيدة او برنامج مقنع، بدلا من الرقص في السيرك، حيث لم نعد نفرق بين الاسد، والقرد، والمهرج، ايها السادة الكرام في عمان وأخواتها.
هذه بلاد لا تستحق منا كل ما نفعله فيها…أليس كذلك؟.