زاد الاردن الاخباري -
ثمة مخاوف وتساؤلات يختزنها التفكير في الوضع المائي، هل هنالك ما هو أسوأ من وضعنا المائي الحالي؟ ماذا تخطط وزارة المياه والري للصيف المقبل؟ وماذا عن اتفاق النوايا الثلاثي؟ ومتى سنشعر بأمننا المائي؟.
قد يكون وزير المياه والري محمد النجار أكثر وزراء حكومة بشر الخصاونة، جدلا خلال الاشهر القليلة الماضية–لتوقيعه اتفاق النوايا مع الامارات العربية المتحدة واسرائيل لتزويد الاردن بالمياه مقابل الطاقة ولشرائه المياه من الجانب الاسرائيلي- وهي فكرة لا يستطيع أحد أن يستبعدها عند رؤيته او حتى ذكر اسمه.
ولا أخفي أنها قد سيطرت على جل تفكيري خلال لقائه قبل عدة أيام، ووجدتها خير وسيلة للهجوم لبدء اللقاء، حتى أني بادرته بسؤال: «لما وضعت نفسك في مثل هذا الوضع الشائك؟.
لكن ردة فعله كانت أكثر هدوءا مني، ليقلب صفحات وثيقة استطعت رؤية بعضها منها بالرغم من المكتب الفاصل بيننا وظهر فيها شعار الوكالة الاميركية للتنمية الدولية ومكتوبة باللغة الانجليزية.
النجار في معرض رده على سؤالي وبالاشارة الى الوثيقة يقول: طلب جلالة الملك عبدالله الثاني، إعداد استراتيجية مياه من عام 2022-2040، وحاليا يتم العمل عليها بالتعاون مع جهات ممولة -الاميركان والالمان-تتضمن عدة محاور منها تخفيض فاقد المياه، وإدارة قطاع المياه، وأهم بنودها تحديد مصادر المياه».
ويزيد النجار: «تقوم الاستراتيجية على نص صريح وعريض: الاعتماد على مصادرنا التي لنا سيطرة عليها، ولن تعتمد الاستراتيجية على اي مصدر خارجي مهما كانت صيغته».
في هذه اللحظة بالذات بدأ رد فعلي يهدأ قليلا لأطلب الايضاح أكثر، فشرح النجار «أي ما ينزل من السماء وما هو على سطح الارض ومخبأ في باطنها»، وقبل أن أسأل عن «اتفاق النوايا» اعترض الحديث بجملة» لن نعتمد على أي مصدر مائي نتزود به من الخارج».
في هذه اللحظة فكرت: هل سنسلم حقوقنا المائية لدول الجوار؟، لكن الوزير بادر ليقول: «سنقاتل من أجل حقوقنا المائية».
في الحقوق المائية، يقفز سد الوحدة على الحدود مع الاشقاء السوريين شمالا، والذي يقول عنه النجار: «في ظل الازمة السورية وصل السد الى أعلى تخزين له منذ انشائه عام 2006 بـ70 مليون متر مكعب، وهذا الرقم غير مسبوق لا قبل الازمة ولا بعدها».
واضاف النجار إن هذا الموسم المطري لم يخزن اكثر من 13 مليون متر مكعب جلها من أراضينا الاردنية، وليست من الجانب السوري.
وأمام هذا الواقع الحزين لعملاق السدود الاردنية من حيث طاقة التخزين البالغة حاليا 110 ملايين متر مكعب، ينصب التفكير على اتفاقية عام 1987 بين الجانبين، لينبه النجار الى قصور وخلل في التفاوض، إذ لم تتضمن الاتفاقية نصا صريحا بكمية المياه الواجب أن تحصل عليها المملكة.
ويقول: «نصت الاتفاقية صراحة على وجود سدود سورية، وعددها 26 سدا، لها الاولوية في الامتلاء، وبالرغم من أنهم قاموا ببناء سدود اكثر مما هو منصوص عليه في الاتفاقية، لكن عند الحديث عن مخالفة إقامة هذه السدود نصطدم بنص: الحق للجانب السوري في استغلال المياه التي في ارتفاع 250 بالطريقة التي يرونها مناسبة.. وهم وجدوا انها مناسبة ببناء السدود».
في ظل هذا الشرح، ينطلق التفكير: إذاً لنطلب تعديل الاتفاقية.
في الاثناء يقطع اجابة النجار رنين هاتفه من قبل أحد النواب يطلب موعدا لمتابعة بعض المسائل معه، وليجيب: «الاتفاقيات بين الدول سياسية بالدرجة الاولى، واللجان المشتركة تتابع وتراقب تنفيذ الاتفاقيات، لكنها لا تتدخل في تعديل بنودها».
ويتابع:«لا دولة حاليا ممكن أن تستغني وتفضل أن تعطي جيرانها المياه في ظل التغير المناخي والزيادة السكانية، التعاون المائي مفقود... وحال الدول يقول اللهم نفسي».
ويستدرك النجار: «ان ذلك لا يعني ان نستكين الى الوضع الراهن، إذ أن جزءاً من حل مشكلة الاردن المائية هي في مياهه المشتركة».
الفاقد مؤرق
في الصيف الماضي عاشت المملكة واحدا من أصعب مواسم الصيف خلال السنوات العشر الماضية، وتعرضت العاصمة عمان لشح في التزويد طال عددا من أحيائها.
صحيح ان المعاناة الشعبية كانت من خلال الشكاوى الهاتفية والاعلامية فقط، لكنها كانت كالنار تحت الرماد، فماذا عن الصيف المقبل؟
لا ينكر الوزير النجار أن التزويد المائي خلال الصيف المقبل سيكون صعبا، خاصة في ظل تواضع تخزين السدود المخصصة لمياه الشرب- الوحدة و الموجب- ويقول: «نحفر ابارا للصيف المقبل وتأمين المياه لمحطة زي التي تعتمد على سد الوحدة شبه فارغ حاليا، سيكون من خلال اتفاقية شراء المياه من الجانب الاسرائيلي التي بموجبها سنحصل على 50 مليون متر مكعب بالاضافة الى حصتنا المنصوص عليها بالاتفاقية».
ويزيد: «العام الماضي اشترينا 50 مليون متر مكعب، ووفق الاتفاقية الموقعة بهذا الخصوص، سنشتري هذا العام ايضا 50 مليون متر مكعب، وكذلك العام المقبل».
«لكن الفاقد يؤرقنا»، يقول النجار، إذ أن معالجة الفاقد وفق الاستراتيجية التي نعدها حتى عام 2040 لا يمكن أن يكون قبل تنفيذ «الناقل الوطني لتحلية مياه العقبة»، ذلك أن المشروع سيوفر للمملكة امكانية التزويد المائي المستمر، أي مياه واصلة في الانابيب مدة 24 ساعة على مدى ايام الاسبوع.
ويزيد: «بمعنى أن تتوفر لدينا مصادر مائية متعددة توفر كميات مياه نستطيع معها الغاء برنامج توزيع المياه الاسبوعي»، لافتا الى أن التزويد المياه الاسبوعي يقلل عمر الشبكات الافتراضي بسبب الضغوطات العالية.
ووفقا للنجار، فإن سرقات المياه التي هي جزء من الفاقد تظهر عن طريق ضخها في الشبكات لمنطقة معينة وأن يأتي بعدها شكاوى من عدم وصول المياه لهذه المنطقة.. هنا ندرك ان المياه لم تصل الى مستحقيها بفعل السرقات أو تسربها عبر الخطوط.
لكن هل التزويد المستمر سيكون واقعا؟
يصر النجار على أن الناقل الوطني وحده من سيوصلنا الى التزويد المائي المستمر وسيوقف الضخ الجائر من المياه الجوفية عبر الابار المحفورة ويعيد اليها عافيتها من خلال عدم استخدامها لمدة من الزمن لتعود الى مستويات سنكون بحاجتها بعد 20- 30 عاما.
ويقول: أنا متفائل جدا بالسنوات القادمة لجهة تنفيذ «الناقل الوطني، والتزويد المستمر سيكون واقعا وليس أمنيات» من خلال «المشروع» الذي سيبدأ بتحلية 300 مليون متر مكعب، وكلما بدأ مبكرا، كان أقرب الى الواقع، واذا ما تم احراز النتائج بشكل متقدم كما هو حاليا واستطعنا التغلب على قضية التمويل، من الممكن أن يكون قبل عام 2027، خاصة مع ما سيرافقه من بنية تحتية تشمل بناء خزانات للمياه وبشكل دائم يضخ المياه عبر الانابيب، أما التأخير في تنفيذ الناقل الوطني سيكلفنا ماليا ومائيا وسياسيا.
بعد ذلك الحديث لم أستطع أن أكتم سؤالا: إذن لماذا اتفاق النوايا؟
يجيب النجار: اتفاق النوايا لم نعده في الاستراتيجية مصدرا اساسيا من مصادرنا المائية، لانه ليس من المصادر التي لنا سيطرة عليها، وإن تم «الاتفاق» فإن المياه الاضافية ستعظم الزراعة في المملكة.