زاد الاردن الاخباري -
رغم مرور أكثر من 11 عاماً على مغادرته سدة الحكم بتونس، في أعقاب ما سُمي بـ ”الربيع العربي“ عام 2011، لا تزال قصور الرئيس الراحل زين العابدين بن علي وإقاماته ”الفاخرة“ حديث الناس.
وتتميز تلك القصور بأسوار عالية مطوقة بغموض لولا بعض ما تنشره صفحات التواصل الاجتماعي ومقاطع الفيديو حول حياة البذخ التي كان بن علي يعيشها مع أسرته، على مدى نحو 23 عاماً من فترة حكمه لتونس.
ومع انتشار صور ومقاطع فيديو مسربة مؤخراً، تبرز حالة الخراب التي وصلها بعض القصور.
وتعود ملكية القصور إما للرئيس التونسي السابق، أو لمؤسسة رئاسة الجمهورية وللدولة بشكل عام.
وتزايد الجدل بشأن حقيقة ما يروج إزاء عدد القصور والإقامات الخاصة لبن علي وأماكن وجودها وقيمتها المادية والتاريخية وما إذا أصبحت مهجورة ومهملة.
ويأتي هذا في وقت لا تزال تطرح فيه قضية استيلاء بن علي وأفراد أسرته على قطع أثرية نادرة ومكونات من تراث تونس وتاريخها لتجهيز تلك القصور وتزيينها من الداخل والخارج.
مدخرات هائلة
وكانت أسرار قصور بن علي وإقاماته قبل الإطاحة به في يناير 2011 غامضة، ولكن بعد شهرين مما سمي بـ“ثورة الياسمين“ في مارس/ آذار من العام ذاته، بث التلفزيون الرسمي التونسي تقريراً مصوراً وُصف بـ ”الصادم“ من داخل قصر بن علي في منطقة ”سيدي الظريف“ شمال العاصمة تونس.
وكشف التقرير، لأول مرة، عن مدخرات مالية نقدية ومصوغات ومعادن نفيسة وتحف نادرة وممتلكات أخرى قُدرت قيمتها بما يقارب 171 مليون دولار.
واتضح أن ذلك لم يكن سوى غيض من فيض لحياة الرئيس التونسي السابق، ما دفع بالتونسيين إلى التطلع لمعرفة الحقائق حول ثروة الرئيس التونسي وقصوره، إلا أنه منذ ذلك الوقت أصبحت المعلومات شبه منعدمة.
قصر قرطاج
وتكشف مصادر متطابقة أن عدد قصور وإقامات بن علي وأسرته في تونس لم يتم تحديده، ولكنه يتجاوز 7 قصور بالتأكيد، أبرزها قصر قرطاج الكائن بضاحية قرطاج، شمال العاصمة تونس، ويُسمى قصر الرئاسة.
ويتكون قصر قرطاج من أربعة أقسام، أولها القسم المخصص لنشاط الرئيس، ويضم عدة قاعات تحمل أسماء رموز تونسيين، مثل الحبيب بورقيبة أو عبد العزيز الثعالبي أو أبو القاسم الشابي.
أما الاستقبالات الرسمية فتقام في القاعة الشرفية، في حين تخصص الغرفة الزرقاء للضيوف، حيث يوجد نموذج للمسجد النبوي (المدينة المنورة) كان أهداه الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، للرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، خلال إحدى زياراته إلى تونس.
خليج الملائكة وسيدي الظريف
ويعتبر قصرا ”سيدي الظريف“ بمنطقة المرسى شمال العاصمة تونس و“خليج الملائكة“ في منطقة القنطاوي بسوسة (وسط) أكثر قصور بن علي فخامة وأكبرها مساحة، بل يعتبرهما الكثيرون منتجعات ملكية لا تقدر بثمن.
وكان القصران الرئاسيان اللذان يمثلان مكان الإقامة غير الرسمية للرئيس السابق وأسرته، يشرف عليهما مؤتمن قضائي قبل أن تتولى الدولة التونسية بيع قصر خليج الملائكة بسوسة، في 25 مارس/ آذار 2021، عندما أعلنت وسائل إعلام أن السلطات أتمت عملية بيع أحد القصور المملوكة للرئيس الراحل بقيمة تناهز 20 مليون دينار (7 ملايين دولار).
وهدفت الخطوة إلى تعبئة موارد إضافية وإنعاش خزينة الدولة لمواجهة الضغوط الاقتصادية وعجز الميزانية آنذاك، دون أن تذكر وسائل الإعلام الطرف الذي اشترى القصر.
وذكرت إذاعة ”موزاييك“ أن القصر الذي فرطت فيه تونس بالبيع هو ”خليج الملائكة“ الذي يقع في أعلى هضبة بمنطقة القنطاوي السياحية الراقية في محافظة سوسة على الساحل التونسي، ويمتد قصر خليج الملائكة، وهو واحد من أفخم ثلاثة قصور يمتلكها بن علي وصادرتها الدولة بعد سقوط نظامه في 2011، على مساحة اجمالية تناهز 15 ألف متر مربع.
قصران في الحمامات
وإضافة إلى قصر قرطاج، وقصري المرسى وسوسة، كان بن علي، يستغل أيضا قصره الفخم بمدينة الحمامات الساحلية شمال شرق البلاد، وكان ذلك القصر مقر الإقامة خلال إجازته الصيفية.
وتذكر بعض الوثائق التي تناولت فترة حكم بن علي أن ليلى الطرابلسي زوجة الرئيس السابق كانت تعشق مدينة الحمامات وخصوصاً منطقة ”الكورنيش“، ولذا حرصت على أن يكون لها ولزوجها قصر رئاسي بالمدينة.
وفي أواخر التسعينات من القرن الماضي تم بناء القصر الفاخر جدا على سواحل الحمامات الشمالية وصرفت لذلك أموال طائلة.
ولم تكتف زوجة الرئيس السابق، بذلك القصر في الحمامات الشمالية فرغبت في امتلاك قصر آخر في الحمامات الجنوبية بكلفة عالية جداً وكان لها ما أرادت ليتم تشييد قصر ثانٍ يقع على الميناء الترفيهي في جنوب مدينة الحمامات.
كما كان الرئيس الأسبق يستغل عدداً من الإقامات التي تعود ملكيتها لمؤسسة رئاسة الجمهورية وهي أربع إقامات في المرسى وقرطاج وتستخدم في الغالب لضيوف الدولة التونسية وإقامة واحدة في مدينة عين دراهم شمال غربي البلاد.
نهب التراث لتزيين القصور
وذكرت مصادر إخبارية أن بن علي وأصهاره استولوا على قطع أثرية نادرة لتزيين قصورهم.
وفي 2018 أعلن المعهد الوطني التونسي للتراث استرجاع مئات القطع الأثرية العالية القيمة من القصور والإقامات التي كانت لبن علي وأصهاره.
وكان الرئيس السابق وأصهاره استولوا عليها من المتاحف والمعالم الأثرية في مختلف المدن التونسية ووضعها في قصورهم في سيدي الظريف وسيدي بوسعيد وقرطاج والحمامات الواقعة على بعد 60 كم شمال شرقي تونس.
وكشف المدير العام السابق للمعهد الوطني للتراث في تونس عدنان الوحيشي في تصريحات خاصة لـ“إرم نيوز“، أن الحديث عن قصور الرئيس السابق بن علي يختلف عن التطرق إلى القصور الرئاسية التي كانت على ذمة الدولة وتحديداً مؤسسة رئاسة الجمهورية وهي تقع في عدد من المدن التونسية حيث كان رئيس الجمهورية يقيم بها أو يقضي بها إجازاته.
و قال الوحيشي: ”موضوع قصور بن علي الخاصة أو الرسمية متشابك ومترامي الأطراف، وبعد سنوات من الإطاحة بنظامه، أمكن لنا في المعهد الوطني للتراث عندما كنت أدير هذه المؤسسة أن نسترجع جملة القطع الأثرية والمكونات التراثية التي تم نهبها من قبل بن علي وأفراد أسرته وتم استغلالها إما لتزويق وتأثيث تلك القصور أو للاتجار فيها، لكن الأهم من ذلك أن المعهد نجح في استرجاع جانب من تاريخ تونس وتراثها المنهوب“.
وأضاف أن ”السلطات عثرت على عشرات القطع الأثرية ولوحات فسيفساء في قصر زين العابدين بن علي بسيدي الظريف، مشيراً إلى استرجاعها لسيطرة الدولة“.
تزامنا مع تكراره.. ما دلالات الرقم 2؟
قصر تاريخي بناه الأنباط قبل الميلاد شعار جديد للسيارات في السعودية
كما كشف الوحيشي أن ”عددا من القصور الرئاسية سواء تلك التي كان يملكها بن علي أو قصور الرئاسة أصبحت في حالة يرثى لها نتيجة التخلي عنها من قبل الدولة أو تحويلها إلى مقرات إدارية فيما كان الخراب السمة البارزة لقصور أخرى“.
عقارات فخمة
وقال مصدر من لجنة المصادرة التابعة لوزارة أملاك الدولة، لـ“إرم نيوز“، إن ”تونس وسعياً منها إلى توفير موارد إضافية لخزينة الدولة والخروج من حالة العجز الكبير في الميزانية، بدأت منذ 2012 بالتصرف في 15 عقاراً بينها قصور فخمة وإقامات ملكية في منتجعات سياحية فضلا عن شقق وشركات وسيارات وأموال وممتلكات أخرى“.