حسن محمد الزبن - أمام هذا الاختراق المتعدد والمتشعب، والذي يعتبر هائلا لدولة بحجم الأردن، واستهداف مخطط ومبرمج، وحملة تشويه معمقة ومقصودة، من عدو يعمل في الفضاء الرقمي والسيبراني، ويشترك في هذا العداء أفراد ومجموعات ودول، كلها تهدف التشويه والاختراق لمؤسسات الدولة، والمواطنين والمسؤولين، مما يعني أنه لا بدّ من التصدي لهذه الهجمات الموجه إلينا من اتجاهات متعددة.
يأتي هذا الاستهداف في الوقت الذي فيه مؤشر الأمن في سلّم "غالوب" لمستوى الأمن، والذي استند لمعلومات ومؤشرات بعد تقصي حقيقي خلال أزمة كورونا، وهي من أعتى الأزمات والظروف الاستثنائية التي مرّ بها الأردن ودول العالم، إلا أننا كنا في المركز الثامن عشر على مقياس القانون والنظام، وهذا بشهادة أهم المؤسسات البحثية في مجال العلوم الأمنية والسياسية، وتُعتمد تقاريرها كمرجع علمي في الدراسات والأبحاث الدولية، وتُقدم تقاريرها لصناع القرار في كل دول العالم، وفيما يخص مكافحة الجريمة كان مركز الأردن الثاني عربيا، والسادس عشر عالميا، وهذا بتكاتف الجهود للأجهزة الأمنية.
لكن اليوم نحن أمام وضع مختلف من هجمات شرسة في فضاء سيبراني واسع وكوني، مما يعني أن الأمن الوطني أمام تحدي، وضرورة مواجهة، وأن المنظومة الأمنية عليها أن تكون قبل أي وقت مضى من وضع استراتيجيات وخطط والتنسيق لأعلى مستوى لتصل الأجهزة الأمنية المعنية بالتعاون مع القوات المسلحة في الجيش العربي وأجهزته الاستطلاعية والاستخباراتية، وتستجيب للوقوف صفا واحدا في أجواء من التكاملية والتناغم والاستعداد وتعمل معا في الإطار الوطني لإحباط كل التهديدات والهجمات السيبرانية الحالية والمتوقعة.
نحن نواجه خطرا ممتدا في فضاء رقمي وكوني واسع، عبر شبكة الذباب الالكتروني، والعالم السيبراني، الذي يستهدف الدولة بكل مكوناتها من مؤسسات حساسة، ومنظمات مدنية، ومؤسسات عامة وأفراد، مما يعني أن نحصن أنفسنا ومواقعنا، ونستزيد من المعرفة والثقافة في هذا المجال، ولأجل ذلك لا بدّ وأن نولي المركز الوطني للأمن السيبراني كل الدعم خاصة أن كلفة الهجوم السيراني العدائي تعادل أو تفوق الهجوم العسكري وخوض غمار أي حرب، وحسب ما تم تخصيصه لدعم هذا المركز بـ (22) مليون دينار، ولا أعرف إذا كان هذا الرقم يغطي قدرة هذا المركز ويضمن فضاء سيبراني آمن وموثوق، وقادر على الوقوف بوجه التهديدات، وردع الاختراقات والهجمات التي تستهدفنا كدولة ومؤسسات وافراد.
ويجب أن نتنبه للعمل معا، فالأردن كدولة يسجل لها الريادة والسبق في افتتاح أول أكاديمية للواقع الافتراضي والمعزز XR، وعلى مستوى الشرق الأوسط وشمال افريقيا، التي على عاتقها كجهة أكاديمية، العمل لبناء جيل أردني في المدارس والجامعات، قادر على استخدام وتطوير تقنية الواقع الافتراضي، من النواحي النظرية والتدريبية والتأهيلية، بمشاركة خبراء في هذا المجال من المملكة المتحدة، والدنمارك، وكندا، وفنلندا، وماليزيا، بالتعاون مع الأردن من خلال الأكاديمية الدولية للواقع الافتراضي للأبحاث والتدريب، وهذا يعني أن الأردن في طليعة الدول التي وضعت نفسها على خارطة عالم الواقع الافتراضي.
ولا ننسى أننا تعرضنا في العام 2021م، لما يُقارب (800) محاولة اعتداء على مؤسسات الدولة، وقطاعات حيوية، تم التعامل معها ومواجهتها بكفاءة الصيادين والخبراء الأردنيين في العلم السيبراني، لكن هذا لا يعني أن لا نعمل على تطوير منظومتنا الأمنية السيبرانية، واستدامة العمل ليلا ونهارا للحفاظ على الأمن الوطني الأردني الذي نعتز ونفخر.
فهذا من الأهمية خاصة أننا دخلنا مرحلة متقدمة من الاستهداف، فقبل فترة وجيزة صرح رئيس الحكومة عن رصد ما يقارب عشرة آلاف من الحسابات الوهمية التي تهدف الاساءة للأردن والمس بسمعته ومصداقيته، والنيل من انجازاته على الصعيد المحلي والدولي.
في حين أن الناطق الاعلامي والرسمي تحدث عن حسابات وهمية تقارب(70) الف حساب وهمي تم رصدها عبر مجسات دوائر الدولة، وهذا يعني خطرا محدقا تتصدى له منظومة الأمن الوطني التي تحمي فضائنا السيبراني، وأنه علينا مسؤولية حماية الأنظمة والشبكات والبرامج من الهجمات الرقمية، التي تهدف الوصول إلى المعلومات الحساسة أو تغييرها أو إتلافها أو ابتزازنا، والأهم بنظرها إيصال رسالة لنا أنها قادرة الولوج لفضائنا السيبراني.
ولا بدّ للقائمين على حفظ الأمن السيبراني في الدولة من استراتيجيات محكمة وخطط أمنية عالية المستوى ومتعددة للحماية للدفاع الفعال من الهجمات السيبرانية، وتكفل أمن المعلومات وسريتها وخصوصيتها عبر وسائل تقنية وتنظيمية وادارية تكون ضامنة وحافظة من مخاطر الفضاء السيبراني في ظل الحروب السيبرانية التي أصبحت من الأهمية للدول في عالم اليوم والمستقبل، وتعتبر من الأدوات الاستراتيجية، والتكتيكية، بيد الدول والحكومات والأفراد.
فالأمن السيبراني متطلب الدولة الحتمي، وأولوية تدرج على أولوية اهتماماتنا في سياسة الدفاع الوطني، ودعمها بكل الامكانات، باعتبار دعمها يعتبر سندا ودعما لمنظومتنا الأمنية والعسكرية، وقدرتها في ردع كل من يقترب من مقدرات الوطن، أو يسعى للعبث أو النيل منه.
وحمى الله الأردن،،