سلامة الدرعاوي - أبناء الحراثين، مصطلح سياسيّ اجتماعي اقتصادي بدأ بالظهور في المجتمع الأردنيّ لدى فئات عديدة في المجتمع تحديداً بعد عام 2007، وهو يخص طيفا يتطلع إلى مكانة في المجتمع ومؤسساته، ويمثل شريحة واسعة من المجتمع التي لا تمتلك أي قدرات مؤسسية أو لها علاقات بأي قوى نافذة في المجتمع أو واسطات للوصول إلى من يمثلها وينقل تطلعاتها واختيارها للجهات المعنية، وتكون جزءا فاعلا في الشأن العام للبلاد، وتتجاوز أي محاولات لتهميشها.
نعم هناك الكثير من الفئات الصامتة في المجتمع التي لا ترغب في الظهور أو المشاركة في أي نشاط سياسي أو اقتصادي في الدولة، وهذا وليد شعور لديهم بالإحباط واليأس الذي ازداد مع ازدياد الضغوطات الاقتصاديّة في المجتمع، وتحديدا على فئات الشباب.
أقولها بصراحة، غالبية المجتمع الأردنيّ هم من أوصاف “أبناء الحراثين”، فمعظمهم من الطبقات الاجتماعيّة الفقيرة والمتوسطة، وهي منشغلة بقوت يومها، وتلبية احتياجاتها المعيشيّة، بعيدا عن الأنشطة السياسيّة وغيرها، فما يعنيهم بالدرجة الأولى هو النهوض بأمنهم المعيشيّ وتحسين أحوالهم كافة، وهذا الوصف ينطبق على غالبية المجتمع الأردنيّ من شماله لجنوبه، ومن مدنه وقراه لمخيماته المنتشرة في كافة أنحاء المملكة.
التطوّر السلبي في التعاطي مع مصطلح أبناء الحراثين ظهرت بداياته الأولى مع تشكيل إحدى الحكومات التي قدمت نفسها للشارع على أنها تمثل هذه الفئة، علما أن هذه الحكومة في عمقها الداخلي كانت تتجه لتأسيس نهج اقتصادي إقطاعي بالدرجة الأولى، والسير بتنفيذ حزمة قرارات تداعياتها السلبية مستمرة إلى يومنا هذا.
هنا بدأ يتشكل عند العديد من القوى النافذة في المجتمع اتجاه مماثل لما قامت به تلك الحكومة، وبدأت نخب وهواة العمل السياسي بتوظيف هذا المصطلح في خطاباتهم المختلفة، تقربا إلى الشريحة الأكبر في المجتمع للحصول على دعمها في المحافل الانتخابية المختلفة، وهنا بدأ بالظهور في فئات اجتماعية تتقمص حياة السواد الأعظم من الأردنيين، والتحدث باسمهم، والتركيز على مطالبهم واحتياجاتهم في خطاباتهم الإعلامية، لكسب مزيد من الشعبويات.
توظيف احتياجات الناس المعيشيّة، واستغلال تلك المطالب لأغراض شخصية انتخابية وشعبوية بحتة، هو جريمة أخلاقية بكل معنى الكلمة، وهذا أخطر أنواع التضليل في المجتمع، والحالة الاجتماعيّة والاقتصادية السائدة تسمح بانتشار هذه الحالات من الخطابات المزيفة.
مع كل أسف بأن المجتمع يشاهد يوميا مثل هذه الحالات التي تتنامى يوما بعد يوم، ويخرج علينا أشكال وألوان من المتنفذين الذين يتسللون إلى جسم الدولة الإداري بغرض الحصول على منصب أو “نمرة حمراء” أو عطاء بالخفاء، أو وظيفة عليا، أو غيرها من المكتسبات الشخصية، مستغلين تنامي أعداد البطالة في المجتمع وتزايد الأعباء المعيشية على المواطنين، لدرجة أن بعضهم عاد للأردن منذ سنوات قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وباتوا يشكلون “ظاهرة صوتية” مزعجة نتيجة “نباحهم” المتواصل وخلق حالة من الذعر في المجتمع وبين صفوف العاطلين عن العمل، بأسلوب شعبوي مستغلا ضعف الإصلاحات الاقتصادية في السنوات الأخيرة، علما أنه لم يعد أبدا في جهاز الدولة الإداري الرسمي ولا يملك أي خبرات حتى مع القطاع الخاص، وكل أعماله وشركاته في الخارج، ووضعه المادي أبدا لا يرتقي ولا يقترب من مفهوم أبناء الحراثين، بالعكس، لم يكن أبدا منهم ولا أحد من عائلته، فهم ببرج عاجي يستغلون احتياجات الناس لأغراضهم الشخصية.
باستثناء الـ10 % من الأردنيين الذين تستطيع أن تعتبرهم ميسوري الحال، وهم المستثمرون والمشغلون ودافعو الضرائب الأكثر في الدولة، فإن غالبية الأردنيين هم أبناء الحراثين بلا استثناء، ولا يوجد من يمثلهم في مؤسسات الدولة بالشكل الصحيح، والغالبية منهن للأسف تسير بلا بوصلة مع اتحادات “منحرفة عقليا”، لا ترى في الأردن غير ما يعود على جيوبهم.